القاهرية
العالم بين يديك

تجارب زجاجية … نورهان طاهر

128

هنا علي مكتبي الصغير،
الإضائة الخافتة للمصباح تتراقص فوق رأسي أكتب تتمة مزكراتي،
مذكرات عجوز في الخامس والثمانين يوشك أن يلحق بأحبائه.

السماء تبكي بالخارج والجدران ترتعد بالداخل،
وأسمع باب الغرفة المجاورة يحتضن حلقهُ صارخاً،
وكلما تأملتُ قلمي
أشعر بتثاقل،
بتنميل وخدر يعتري قلمي،
عجز يتسلل ليدي وكأني لم أكتب منذ حيوات سابقة,
أراني وكأني عدتُ زجاجة الخمر الفارغه إلا عن موضع قدمي،
والسكير العاشق يعتصر الفوهه بحثا عن المزيد ، ويأنُّ مترنحاً.
قضيت العمر كاتماً لهيب انفاسي المتعطشه للحرية
ومغمضاً ألآم روحي المتخبطة،
لم تعرف قدمي الثبوت ولكنها كانت تسبح وتسبح في خمر مُسكر لو ارتشفتُ منه قطرة لتَهَشَمَت رأسي،
فبقيت سابحاً صامتاً متعطشاً لفرصة،
فقط فرصة يغفو فيها هذا العملاق المترنح الذي لا أدري من وضعني في زجاجتة،
تلك الزجاجة اللعينة التي تُزِلُ روحي برؤية الكون دون أن أستطع لمسه،
دون إستنشاق زهره،
دون الرقص تحت مطره،
مطر!
نعم إنه يصيح خارجاً اسمعه،
وكالعاده يفصل بيني وبينه زجاج النافذه،
إنه الزجاج أينما حللت،
شفاف صلب صامت قاسي لا يخضع ولا تعييه توسلات دموعي ودماء محاولاتي،
وبعد كل هذا العمر ها هو كتاب تجارب زجاجيه قد انتهي
ولعله لا يكون أسير دولاب زجاجي آخر في إحدى المكتبات.

قد يعجبك ايضا
تعليقات