القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الجدار …كتبت :نورهان الطاهر

287

كم مرة مررنا أمام حوائط متسخة بنقوشات باهتة بالية أو جمل صامتة،
أن( لا تتركيني)،
أو (رحلت أبحث عن حريتي)،
أو حتي مجرد( تعبت)،
كم صوره مرسومة لوردة ذابلة أو نخلة يانعة أو أبعد من ذلك بكثير،
نراها كل يوم ولا نلتفت…
اعتدتُ أن أسير في الشوارع كل يوم أتحسس الجدران المرسومة أو المنقوشة،
كنت أشعر في كل حائط بمشاعر مغايرة لما قبله وما بعده…
أتذكر يوما اهتز قلبي إثر ارتعاش يدي حين لامست جملة كان الحنين يُدمي أحرُفها،
و يوماً رَقَص قلبي حين شَعَرَت أناملي بنعومة وجه ذاك الطفل المرسوم في أحضان أمه …
كنت دائما ما أؤمن أنه لن يكلف أحد نفسه وقتا وجهداً ليقتطع من عمره لحظة يسطُرها لنا علي حائط إلا لأنها تستحق أن تُخلد لأطول وقت،
أو فرشاة يُستقي أحمرها من دمه إلا ليرينا بها سبب ذاك النزيف.
لطالما عرفت ذلك خير المعرفة
فمع أني أصبحت من رواد الأربعين و غزا الشيب مفرقي إلا أني لازلت أحن اليَّ وتلك الجميلة القابعين علي الجدار المقابل لدارنا القديم،
سراً رسمتها في آخر يوم لنا قبل أن نترك المنزل،
أردت أن أخلد تلك اللحظة التي كنت أشعر فيها بأني أتشبث بقلبها لا بثيابها…
كنت أصغرها وكانت سراج طريقي…
طالما رفعت رأسي لأنظر إليها بكل فخر،
كانت مقدامة جسورة لم أرها تهاب شيئًا …
في ذاك اليوم الخالد في قلبي و جداري كنت في سَابِقهْ أحدثها أن كم هي لامعة عيون الأطفال وواسعة ابتساماتهم وهم يركبون دراجاتهم و يفخرون بمن يفوز في سباقاتهم الصغيرة، حينها سألتني
أتحب أن تجرب؟!
رددت بنعم نعم…
نَظَرتْ لعيني بقوه وقالت حسنا لك هذا…
في الصباح تجاهلتُ الأمر حين تذكرت أنّ ليس لدينا دراجة ولا مال لنشتري، فطردت ذاك الشغف و أكملت فطوري، ومع آخر لُقيمة سمعت صوتها تنادي، فخرجت لأجدها مستعيرة دراجة لا أعرف من أين و تلوح لي،
خَرَجْتُ مسرعاً أكاد أُكب علي وجهي, وحين وصلت هدأت نفسي و تذكرت أني لا أعرف كيف أقودها وهي كذلك لا تعرف،
قُلت لها كيف سنقودها ونحن لم نجرب قط ؟!
اتسعت ابتسامتها وقالت بثبات: فقط تشبث بي ولا تخف أنا معك…
كان هذا أوضح مشهد لها أراه دائما في ذاكرتي رغم فزعي وخوفي ذاك اليوم أن نقع،
إلا أننى كنت أطمئن كلما تشبثت بها أكثر وأكثر وسمعت ضحكاتها الباسمة تربت علي قلبي الخائف…
أضحيت كلما أشتاق لابتسامتها أزور ذاك الجدار وأقف أمامه باسماً فلا أجرؤ أن أكون في حضرت ابتسامتها و أعبث حتي ولو كنت دامعا…
اليوم أنا أمامه أزورها وأذكرها أنه مر علي رحيلها 30 عاما ولازالت ابتسامتها تمحو أحزاني كما كانت دائما،
و من عساه يفعل إلّاها؟
أختي التي لازالت تشارك نفسي ذكراها حتي بعد رحيلها…

قد يعجبك ايضا
تعليقات