القاهرية
العالم بين يديك

نبذه عن عمران بن حصين ” الجزء الأول “

240
إعداد / محمـــد الدكــــرورى
ومازال الحديث موصولا عن الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ومع صحابى جليل قد أسلم في عام خيبر، ومنذ وضع يمينه بيمين الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أصبحت يده اليمين موضع تكريم كبير، فآلى على نفسه ألا يستخدمها إلا في كل عمل طيب وكريم، وكان هو صورة من صور الصدق والزهد والورع والتفاني وحب الله وطاعته، ومع هذا فكان هذا الصحابى الجليل يبكي ويقول ” يا ليتني كنت رمادا، تذروه الرياح ” وذلك لأن هؤلاء الرجال كانوا يخافون الله تعالى لإدراكهم لعظمته وجلاله، ولإدراكهم لحقيقة عجزهم عن شكره وعبادته، ولقد سأل الصحابة الكرام رضى الله عنهم، الرسول صلى الله عليه وسلم، يوما فقالوا، يا رسول الله، ما لنا إذا كنا عندك رقت قلوبنا، وزهدنا دنيانا، وكأننا نرى الآخرة رأي العين، حتى إذا خرجنا من عندك، ولقينا أهلنا وأولادنا ودنيانا أنكرنا أنفسنا ؟ فأجابهم الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “والذي نفسي بيده، لو تدومون على حالكم عندي، لصافحتكم الملائكة عِيانا، ولكن ساعة وساعة” ولقد سمع هذا الصحابى الجليل هذا الحديث وأبى أن يعيش حياته ساعة وساعة.
وإنما ساعة واحدة موصولة النجوى والتبتل لله رب العالمين، وفي خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فقد أرسله الى البصرة ليُفقه أهلها ويعلمهم، وفي البصرة حط الرحال، وأقبل عليه أهلها منذ عرفوه يتبركون به ويستضيئـون بتقواه، وقد قال الحسن البصري وابن سيرين ” ما قدم البصرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحد يفضل على هذا الصحابى الجليل” فقد كان يرفض أن يشغله عن العبادة شاغل، فاستغرق في العبادة حتى صار كأنه لا ينتمي الى عالم الدنيا وإنما ملك يحيا مع الملائكة يحادثهم ويحادثونه، ويصافحهم ويصافحونه، ولما وقع النزاع الكبير بين الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه، ومعاوية بن أبى سفيان، فقد وقف هذا الصحابى الجليل موقف الحياد، ورفع صوته بين الناس داعيا إياهم أن يكفوا عن الإشتراك في تلك الحروب ويقول” لأن أرعى أعنزا حضنيّات في رأس جبل حتى يدركني الموت، أحب إليّ من أن أرمي في أحد الفريقين بسهم، أخطأ أم أصاب” وكما كان يوصي من يلقاه من المسلمين قائلا ” الزم مسجدك، فإن دُخِل عليك فالزم بيتك.
فإن دَخل عليك بيتك من يريد نفسك ومالك فقاتله ” وقد حقق إيمان هذا الصحابى الجليل أعظم نجاح حين أصابه مرض موجع لبث معه ثلاثين عاما، ما ضجر منه ولا قال أفّ، بل كان مثابرا على عبادته، وإذا هوّن عليه عواده أمر علته بكلمات مشجعة ابتسم لهم وقال” إن أحب الأشياء الى نفسي، أحبها الى الله” وكانت وصيته لأهله وإخوانه حين أدركه الموت ” إذا رجعتم من دفني، فانحروا وأطعموا” أجل فموت مؤمن مثل هذا الصحابى الجليل هو حفل زفاف عظيم، تزفّ فيه روح عالية راضية الى جنة عرضها السموات والأرض، فإنه هو الصحابي عمران بن حصين بن عبيد بن خلف بن عبد نهم، وهو من قبيلة خزاعة وكنيته أبو نجيد، وقد أسلم في السنة السابعة للهجرة مع أبيه وأخته، وبايع الرسول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، على الإسلام والجهاد، وغزا معه في العديد من الغزوات وحمل راية خزاعة في يوم الفتح، وكان رضي الله عنه من سادات الصحابة، وقد بعثه عمر بن الخطاب إلى البصرة حتى يعلم الناس أمور الدين، وكما تولى قضاء البصرة لفترة من الزمن وسكن فيها حتى وفاته سنة اثنين وخمسين من الهجرة
وترجع قصة إسلامه إلى عام خيبر حيث جاءته مجموعة من قريش يشتكون له سب وذم الرسول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لآلهتهم، فجمعهم وذهبوا للسخرية من الرسول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ومعرفة سبب ذمه لآلهتهم، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، جابههم بأن سأل عمران عن عدد آلهته، وعندما أجابه عمران بأنها سبعة في الأرض وواحد في السماء، سأله رسول الله وأي منها يدعوها عندما يصيبه الضر، فأجابه أنه يدعو إله السماء، وعندما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف له أن يشرك مع الله آلهة الأرض وهو الوحيد المستجيب، فسكت عمران وطلب منه الرسول صلى الله عليه وسلم، أن يسلم فأسلم، وطلب منه أن يقول ” اللهم أستهديك لأرشد أمري وزدني علماً ينفعني” فقالها عمران وأسلم وقام وقبل رأس ويدين وأرجل الرسول صلى الله عليه وسلم، وبكى الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعود سبب إسلامه بهذه السرعة إلى سلامة فطرته وقوة حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمران بن حصين رضي الله عنه صادقا مع نفسه ومع الله.
وزاهدا مجاب الدعوة، وكان يتفانى في طاعة الله وحبه، وكثير البكاء خشية وخوفا من الله، وكان أهل البصرة يحبونه حبا شديدا بسبب تقواه وورعه، كان محايدا عندما وقعت الفتنة ودعا الناس أن يكفوا عن الاشتراك في الحروب، وكان صبورا وقوي الإيمان وخاصة في مرضه، وقد لقب عمران بن حصين بشبيه الملائكة، وكان ذلك لأن الملائكة كانت تصافحه ولكنها توقفت عن ذلك لفترة من الزمن بعد أن اكتوى نتيجةً لإصابته بمرض البواسير، ولكنها عادت إلى مصافحته لأنه لم يكتو بعدها، وقد أصيب عمران بن حصين بمرض شديد وظل يعاني منه لمدة ثلاثين عاما، وأوصى قبل أن يموت أن يشدوا عليه السرير بعمامته عند موته وأن يستعجلوا في المشي في جنازته وأن لا يصيح الناس أو يصرخوا لوفاته وبشكل خاص الأمهات، كما وصى أن يكون قبره مربع الشكل ويرتفع عن الأرض نحو أربعة أصابع، كما أوصى إطعام الناس بعد العودة من دفنه، وعمران بن حصين رضي الله عنه صورة رضيّة من صور الصدق، والزهد، والورع، والتفاني وحب الله وطاعته، وان معه من توفيق الله ونعمة الهدى لشيئا كثيرا.
ومع ذلك فهو لا يفتأ يبكي، ويبكي، ويقول” يا ليتني كنت رمادا، تذروه الرياح ” ذلك أن هؤلاء الرجال لم يكونوا يخافون الله بسبب ما يدركون من ذنب، فقلما كانت لهم بعد اسلامهم ذنوب، انما كانوا يخافونه ويخشونه بقدر ادراكهم لعظمته وجلاله، وبقدر ادراكهم لحقيقة عجزهم عن شكره وعبادته، فمهما يضرعوا، ويركعوا، ومهما يسجدوا، ويعبدوا، وقد قال الحسن البصري، وابن سيرين ” ما قدم البصرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد بفضل عمران بن حصين ” فكان عمران يرفض أن يشغله عن الله وعبادته شاغل، وقد استغرق في العبادة، واستوعبته العبادة حتى صار كأنه لا ينتمي الى عالم الدنيا التي يعيش فوق أرضها وبين ناسها، وقد حقق ايمان عمران بن حصين أعظم نجاح، حين أصابه مرض موجع لبث معه ثلاثين عاما، ما ضجر منه ولا قال أفّ، بل كان مثابرا على عبادته قائما، وقاعدا وراقدا وكان اذا هوّن عليه اخوانه وعوّاده أمر علته بكلمات مشجعة، ابتسم لها وقال ” ان أحب الأشياء الى نفسي، أحبها الى الله، وقد قيل أنه رضى الله عنه أسلم عام خيبر أي سنة سبع من الهجرة.
في نفس عام إسلام أبي هريرة رضي الله عنه، وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال قال لي عمران بن حصين إن الذي كان انقطع عني قد رجع يعني تسليم الملائكة قال وقال لي اكتمه علي، وعن مطرف قال أرسل إلي عمران بن حصين في مرضه فقال إنه كان تسلم علي يعني الملائكة فإن عشت فاكتم علي وإن مت فحدث به إن شئت، وقد شهد غزوات وكان من سادات الصحابة وقد استقضاه عبد الله بن عامر على البصرة فحكم له بها ثم استعفاه فأعفاه ولم يزل بها حتى مات فى هذه السنة وكانت من أهم ملامح شخصيته رضى الله عنه، أن الملائكة تسلم عليه ولا يحدث ذلك إلا مع إنسان بلغ من العبودية لله تعالى درجة عالية، وكذلك بذل العلم للناس ونلحظ ذلك من كثرة من تعلموا على يديه والفطنة وسرعة البديهة ويتضح ذلك من هذا الموقف، فعن حبيب بن أبي فضالة المالكي قال لما بني هذا المسجد ويقصد مسجد الجامع قال، وعمران بن حصين جالس فذكروا عنده الشفاعة فقال رجل من القوم، يا أبا نجيد إنكم لتحدثونا بأحاديث ما نجد لها أصلا في القرآن، فغضب عمران بن حصين وقال للرجل، قرأت القرآن، قال نعم.

قد يعجبك ايضا
تعليقات