القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

فصلٌ من الطفولة

99

بقلم- مودّة ناصر

إنها ربيعُ العمرِ الذي لا يُعاد، وفطرةُ الوجودِ، وهِبةُ الرغبة، وطوْرُ الحياةِ الأجمل، وسُنةٌ كُتبت لمتاعِنا. هي أنا التي وجدتني ووجدتها، وعلى دربها أغدو، وبلحنِ ذكراها أشدو ليبتسم قلبي دائمًا. هي جرعةُ الدفءِ التي لا تُفنى وإنما تُستحدثُ من ذكرى، فتأنسُ بها النفس ويحنُ لها الوجدُ.

الطفولةُ جمعٌ مِن تلقينِ الحبِّ في القلوب، وغرسٌ يكبرُ فيّ وأكبر به. أحبها بكلِ ما تحملُ مِن دلالاتٍ ومناراتٍ تُضيءُ دنيايَّ الشابّة. طفولتي تُسمَع في جدرانِ منزلنا؛ هي صوتُ أمي تُرتِلُ القرآن وأرددُ خَلفها، هي حِفظي للقرآن الذي لم يرضَ عنه الشيخ أول مرّةٍ، وصبرُ أمي مراتٍ ومرات حتى أتمَّ الله علينا.
هي توأمي الذي كبُر معي وفيّ؛ فشعرتُ أني أغنى إنسانةٍ في الكون؛ لأني فريدةٌ بالرفقةِ من قبلِ الميلاد. هي أختي الصغرى التي وهبتني أمومةً بالفطرة.
إنها نومي الثقيلُ الذي يوقظ الأجمعين صباحًا حين المدرسة، واحتضانِ الجدرانِ لآخد قسطًا خفيًا خِلسةً.
هي طابور الصباحِ الذي تشهدهُ العصافير، ونشيدُ “بلادي بلادي بلادي لكِ حبّي وفؤادي” الذي كان ينبضُ له قلبي.
هي إلقاءُ شعرٍ في الإذاعةِ الصباحية، وشهاداتُ تقديرٍ إلى الآن محفوظةً ومطوية، هي حبُّ معلمتي وابتسامتها.
أما في ما يخصُّ دروبُ الكتابة، فهي تفردي -الذي أحببته-
بالدرجةِ النهائيةِ في التعبير.

الطفولةُ ضحكة وأُلفة، وبكائي حينما لم أعرف كيف أقودُ دراجةً، وكيفَ ألفُّ ورق العنب يوم أولِ محاولة.
الطفولةُ مفاجآتُ أبي، وكعكةُ أمي ودعواتُ جدتي وجدي.
هي نورُ الفطرة التي سُقِيناهُ فروى زهرة وجودنا منذ الأبدية.

إنها الفصلُ الاجملُ في الرواية، الذي بين الحين والآخر نقرؤه عمدًا -رغم أننا حفظناهُ عن ظهر قلب- نقرؤه لنحفظ في قلوبنا الحبّ، ونستعين به على آفةِ الحنين، ونُكمل بأثرهِ الدرب.

قد يعجبك ايضا
تعليقات