القاهرية
العالم بين يديك

نبذه عن إستقبال العام الجديد

304
إعداد / محمـــد الدكــــرورى
لقد مضى عام، وكل منا يحتفي ويحتفل بذكرى ميلاده، وزيادة عام من عمره، والمتأمل المتبصر يعلم أنه قد نقص من عمره عام، نعم نقص من عمره عام، فقد يظن البعض أن عمره زاد عاما فالعام الماضي كنت أبلغ تسعا وثلاثين سنة، وهذا العام قد بلغت الأربعين فزاد عمري، نقول له لا، بل نقص عمرك يا مسكين وأنت فى غفلة ولا تدرى، ويقول بعضهم كيف يفرح من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره؟ وكيف يفرح من عمره يقوده إلى أجله، وحياته تقوده إلى موته ؟ فإن الإنسان في هذه الحياة الدنيا كمثل المسافر، حيث يقول ابن القيم رحمه الله، الناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين, وليس لهم حط رحالهم إلا في الجنة أو في النار، والعاقل يعلم أن السفر مبني على المشقّة وركوب الأخطار، ومن المحال عادة أن يطلب فيه نعيم ولذة وراحة, إنما ذلك بعد انتهاء السفر، وفي توديع عام واستقبال آخر، يجدر بالنفسِ أن تقف وقفةَ محاسبة، وقفةَ صدق وتفكر، واعتبار ومُساءلة، فمن حاسب نفسه في دنياه خف عليه حسابه في أخراه، ومن أهمل المحاسبة دامت عليه الحسرة.
وساءه المنقلب والمصير، وخير مذكر، وأعظم واعظ، هو ذكر هادم اللذات، ومفرق الأحبة والجماعات، وهو الموت، وجدير بمن الموت مصرعه، والقبر مضجعه، والقيامة موعده، والجنة أو النار مورده، جدير به ألا يكون له تفكير إلا في المصير، والنظر إلا في العاقبة فالقبر مقر، وبطن الأرض مستقر، وإن تقارب الوقت والزمن وسرعة مروره دون فائدة علامة على قرب الساعة، فقد أخرج الترمذي عت أنس بن مالك قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة وتكون الجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كالضرمة بالنار” وفي رواية ” وتكون الساعة كاحتراق السعفة الخوصة ” أي ورق الجريد اليابس، فهذه العلامة من علامات الساعة هى من أوضح العلامات وأظهرها اليوم، إذ أننا نشهد وقوعها اليوم ونراها واضحة جلية، فالوقت يمر على الناس بصورة سريعة تدعو للدهشة والتأمل، فلا بركة في الوقت، حتى يخيل إلى الواحد أن السنة كالشهر، والشهر كالأسبوع، والأسبوع كاليوم.
وقد صدق النبي صلى الله عليه وسلم، فى وصفه هذا، وقال ابن حجر، قد وجد ذلك في زماننا هذا , فإننا نجد من سرعة مر الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا، ونحن اليوم نشهد بوضوح هذه المعاني لتقارب الزمان فلا يوجد بركة في الوقت وأصبح الناس يتحدثون عن السنوات وكأنها أشهر فما بالك بالأيام والأسابيع، وإن هناك وقفة جميلة تفكرت فيها بين ولادة الإنسان ووفاته، فالمولود حين ولادته يؤذن في أذنه اليمنى وتقام الصلاة في اليسرى، ومعلوم أن كل أذان وإقامة يعقبهما صلاة، فأين الصلاة؟ وأقول بأن صلاة الجنازة ليس لها أذان ولا إقامة، لأنه قد أذن وأقيم لها عند ولادتك، والفترة التي بين الأذان والإقامة والصلاة كفترة عمرك، واعلم أن انصرام عام يعني انصرام بعضك كما قال الحسن البصري، يا ابن آدم، إنما أنت أيام، إذا ذهب يوم ذهب بعضك، وقال يا ابن آدم، نهارك ضيفك فأحسن إليه، فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك، وإن أسأت إليه ارتحل بذمك، وكذلك ليلتك، وقال أيضا الدنيا ثلاثة أيام، أما الأمس فقد ذهب بما فيه، وأما غدا فلعلك لا تدركه.
وأما اليوم فلك فاعمل فيه، فكل يوم يمر عليكم تزدادون بعدا من الدنيا وقربا من الآخرة فاعملوا وتزودوا لها، فقد قال الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه، ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل، لذلك كانوا لا يندمون إلا على فوات الوقت الذي لم يرفعهم درجة، فقال ابن مسعود رضى الله عنه، ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي، فهيا قبل أن تندم ولا ينفع الندم، فقد وقف الحسن البصري على جنازة رجل فقال لصاحب له يعظه، ترى هذا الميت لو رجع إلى الدنيا ماذا يصنع؟ قال له يكثر من الطاعات، فقال له الحسن البصرى قد فاتته فلا تفتك أنت، وهكذا فقد فاتت من كان قبلكم، والفرصة ماثلة أمامكم فماذا أنتم فاعلون؟ لذلك شكى وبكى الصالحون والطالحون ضيق العمر، وبكى الأخيار والفجار انصرام الأوقات، فأما الأخيار فبكوا وندموا على أنهم ما تزودوا أكثر، وأما الفجار فتأسفوا على ما فعلوا في الأيامِ الخالية.
فعن أَبى هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما من أحد يموت إلا ندم، قالوا وما ندامته يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم ” إن كان محسنا ندم أن لا يكون إزداد، وإن كان مسيئا ندم أن لا يكون نزع” رواه الترمذى، ويوم القيامة تندم وتقول يا ليتنى قدمت لحياتى، وقال لحياتي، ولم يقل في حياتي، وكأن حياته لم تبدأ بعد، فإن الحياة الحقيقية هي الآخرة، ويقول الإمام الفخر الرازي يا ليتني قدمت في الدنيا التي كانت حياتي فيها منقطعة لحياتي هذه التي هي دائمة غير منقطعة، وإنما قال لحياتي ولم يقل لهذه الحياة على معنى أن الحياة كأنها ليست إلا الحياة في الدار الآخرة ، فقال الله تعالى فى سورة العنكبوت ” وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون ” أي لهي الحياة،
فإياكم وضياع الوقت فيما لا فائدة فيه، فيقول ابن القيم رحمه الله، إن إضاعة الوقت أشد من الموت، لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها، ويقول الفضيل بن عياض لرجل كم أتى عليك ؟ قال له ستون سنة.
قال فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ، فقال الرجل إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال الفضيل أتعرف تفسيره تقول إنا لله وإنا إليه راجعون، فمن علم أنه لله عبد وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوف، فليعلم أنه مسئول، فليعد للسؤال جوابا، فقال الرجل، فما الحيلة ؟ قال الفضيل له يسيرة، قال ما هي؟ قال له تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي، أُخذت بما مضى وما بقي والأعمال بالخواتيم، وهكذا فإن الأعوام التي تنصرم سنسأل عنها أمام الله، فعن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ” لن تزول قدما عبد يوم القيامه حتى يسأل عن أربع خصال عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟ وعن علمه ما عمل فيه؟ ” رواه الترمذى، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، أن الوقت نعمة من نعم الله تعالى على خلقه ولابد للعبد من شكر النعمة وإلا سُلبت وذهبت، وشكر نعمة الوقت يكون باستعمالها في الطاعات، واستثمارها في الباقيات الصالحات، فعن ابن عباس رضى الله عنهما.
قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ” رواه البخارى، ويقول ابن حجر وقد أشار صلى الله عليه وسلم بقوله، كثير من الناس، إلى أن الذي يوفق لذلك قليل، وقال ابن الجوزي، قد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرغا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، فيجب علينا جميعا أن نفكر جيدا ما هي الخطيئة أو الخطايا التي لازمتك في عامك المنصرم وتنوي الخلاص منها في عامك الجديد؟ وما هي الفضيلة أو الفضائل التي فاتتك في عامك الماضي، وتفكر جادا ألا تفوتك في العام المقبل؟ وكيف أنت وفتنة الأهواء والشهوات والشبهات والفضائيات؟ وما قيمة الوقت عندك؟ وبماذا تستثمره؟ طاقاتك كيف تصرف، وقدراتك بماذا تستثمر؟ مانوع اهتمامك، هل تحمل هم الإسلام؟ وهل تستشعر قضايا المسلمين؟ وبماذا ساهمت فيها؟ ما مدى شعورك بانتصار الحق وأهله؟ وما مدى أسفك لغلبة الباطل وكثرة المبطلين؟ هل تشكل الدعوة إلى الله جزءا من حياتك، وما نصيب أهلك وأبنائك وذوي رحمك وجيرانك وزملائك وعموم المسلمين منها؟

قد يعجبك ايضا
تعليقات