القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الصحابي الجليل الأرقم بن أبى الأرقم ” الجزء الرابع “

260

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع الصحابى الجليل صاحب الدار الأرقم بن أبى الأرقم، وقد توقفنا مع عدد الرجال الذين أسلموا بدار الأرقم بن أبى الأرقم، وقد أَسلمت الصحابة الكرام في العام الرابع من البعثة أو السابع، أو العاشر، فالمهم أنهم ممن أَسلموا في مكة، ومن المهاجرين بعد ذلك، ولكن الواقع أن الفارق مهم كبير، ويحتاج إلى تدقيق، لأن في الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى قد رضي لرسوله صلى الله عليه وسلم، أصحابه الكرام، فقد اختار هذه المجموعة المتقدمة في الإسلام لتكون ناصرة ومؤيدة له صلى الله عليه وسلم، وأن دراسة سيرة هؤلاء الصفوة على وجه التحديد ستخرج لنا كنوزا لا تحصى من الفوائد والدروس، ثم إنه ينبغي التنبيه على أن إسلام الصحابة الكرام قبل إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه يختلف عن إسلامهم بعده، وأن الأمر صار أكثر قبولا عند كثير من شباب مكة ورجالها بعد أن رأوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الصف المسلم.

وهذا الذي دعا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إلى أن يقول عن إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه “إِن إسلامه كان نصرا ” ولقد كان اهتمام الصحابى الجليل الأرقم بن أبى الأرقم رضي الله عنه في روايته بذكر عدد الرجال دون النساء، وواقع الأمر أن مردّ ذلك إلى أنه كان يذكر موقفا تاريخيا مهمّا معتمدا على عدد الرجال وحدهم، وهو موقف الإعلان الذي قام به المسلمون بعد إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومِن قبله حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، حيث خرج المسلمون وكان للمرة الأولى، في صفين متجهين إلى الكعبة، ومُعلنين إسلامهم أمام الجميع، وبالطبع لن تخرج النساء في هذا الإعلان، لكي لا يتعرضن للإيذاء من مشركي مكة، لذا كان تقدير الخروج من عدمه معتمدا على عدد الرجال دون النساء، وهذا الذي دعا الأرقم رضي الله عنه إلى أن يذكر عدد الرجال فقط، وقد اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم مقرا سريا لدعوته.

والحفاظ على أصحابه وتربيتهم وإعدادهم، بعد المواجهة التي حدثت بين سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه وقريش، وقال ابن إسحاق “كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا صلوا ذهبوا في الشعاب، فاستخفوا بصلاتهم من قومهم، فبينما سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، في شِعب من شعاب مكة، إذ ظهر عليه نفر من المشركين وهم يصلون، فناكروهم، وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذ رجلا من المشركين بلحي بعير فشجه، فكان أول دم أهريق في الإسلام ” ومن ثم أصبحت دار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه مركزا للدعوة السرية، يتجمع فيه المسلمون، ويتلقون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كل جديد من الوحي، ويتربون على يديه صلى الله عليه وسلم، ولقد مرت الدعوة النبوية الشريفة بمرحلتين أساسيتين، وهما مرحلة الدعوة السرية.

وكانت ثلاث سنين بمكة المكرمة، ومرحلة الدعوة الجهرية وهي ما بعد ذلك، فكانت طبيعة المرحلة الأولى تتطلب سرية العمل الدعوي، ريثما تتهيأ الظروف المناسبة للجهر بها، وكانت دار الأرقم هي المكان المناسب لذلك، والسرية في بداية الدعوة، كانت لضرورة فرضها الواقع، وإلا فالأصل هو بيان دين الله وشرعه للناس جميعا، وقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى، أن تبقى دعوة الإسلام ضمن مجالها السري في دار الأرقم رضى الله عنه، إلى أن هيأ الله لها من الأسباب ما مكنها من إشهار أمرها وإعلان رسالتها وهكذا يقول تعالى فى كتابة العزيز فى سورة يوسف “والله غالب على أمره ولكن أكثر الناسِ لا يعلمون” ومن خلال هذه المرحلة كغيرها من مراحل سيرة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فقد ظهرت حكمة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يهتم بالتخطيط الدقيق، ويحسب لكل خطوة حسابها، فقد كان مدركا أنه سيأتي اليوم الذي يؤمر فيه بالدعوة علنا وجهرا.

وأن هذه المرحلة سيكون لها شدتها وصعوبتها على المسلمين، ومن ثم فحاجة الجماعة المؤمنة تقتضي أن يلتقي الرسول صلى الله عليه وسلم، المعلم والمربى، مع أصحابه، ليعلمهم ويربيهم ويشحذ هممهم، ويعدهم ليكونوا بناة الدولة المسلمة، وحملة الدعوة، واللبنة الأولى التي قام عليها هذا الصرح العظيم، ومن ثم فقد استمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في دعوته السرية وتربيته لأصحابه في دار الأرقم رضى الله عنه، حتى أصبحت هذه الدار أعظم مدرسة للتربية والإعداد عرفها التاريخ، إذ تخرج منها قادة حرروا البشرية من رق العبودية، وأخرجوهم من الظلمات إلى النور، بعد أن رباهم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وقد حرص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، حرصا شديدا على أن يكون القرآن الكريم هو المنهج الذي يربى عليه أصحابه، وألا يختلط تعليمهم وتربيتهم بشيء من غير القرآن الكريم، وكانت قلوب الصحابة وأرواحهم تتفاعل مع القرآن الكريم.

وتنفعل به، فيتحول الواحد منهم إلى إنسان جديد بقيمه ومشاعره، وأهدافه وسلوكه، وتطلعاته وأمنياته، ومن ثم أدرك الصحابة وقد تعلموا في دار الأرقم رضى الله عنه أن القرآن الكريم وحده وتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم، هما المنهج للحياة والدعوة، والدستور للواقع والدولة، فكانوا من شدة تلهفهم إلى معرفة أوامر الله تعالى وأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا سمعوا أحدا يقول، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابتدرته أبصارهم، وكما يقول ذلك عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وعلى ذلك تربى الجيل الفريد من هذه الأمة، فكانوا يلتمسون من آيات القرآن الكريم، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ما يوجههم في كل شأن من شؤون حياتهم، ولقد كانت مرحلة دار الأرقم، مرحلة هامة في تربية وإعداد الصحابة، ومدرسة رَبّى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفذاذ الرجال، الذين حملوا راية التوحيد والجهاد والدعوة، فدانت لهم الجزيرة العربية.

قد يعجبك ايضا
تعليقات