القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

أولى سلسلة أهوال يوم القيامة… الجزء الاول

146
تغيرات العالم العلوي
كتبت ســـوسن محمـــود
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
تغيرات العالم العلوي
إن للقيامة شأناً عظيماً، فهذا الكون يتغير، ولو لم يكن يوم القيامة من الأهوال إلا تغير، هذا العالم العلوي والسفلي من الأرض والسموات لكان ذلك كافياً، فكيف بالعرض والحساب والبعث والصراط والميزان والحوض، كيف بالأهوال في النار، إن هذه التغيرات الهائلة التي تكون يوم القيامة تشمل هذا الكون فالسماء تنشق وتتفطر:
إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ ۝ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ ۝ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ۝ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ۝ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ [الانفطار: 5]،
إذا انشقت السماء وانفطرت وأنت العامل لهذه الأعمال وتلاقي الله بعملك، هذه السماء القوية التي هي مسيرة خمسمائة سنة، هذه السبع الشداد البنيان المحكم الذي سمكها رب العالمين وبناها متينة لا صدع فيها ولا فطور، تتشقق يوم القيامة
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ۝ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ۝ فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ۝ وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ ۝ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة: 18]،
انصدعت السماء فكانت ضعيفة مسترخية لا تماسك فيها ولا صلابة، والملائكة على جوانبها وأطرافها، يُعرض الناس للحساب هذه السماء تتحول إلى أبواب:
وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا[النبأ: 19]،
يعني: طرقاً ومسالك لنزول الملائكة،
يقول ﷺ: من سره أن ينظر إلى القيامة كأنه رأي عين فليقرأ: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ[التكوير: 1]،
وإِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ [الانفطار: 1]،
و إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق: 1]رواه الترمذي [3333] وهو حديث صحيح [صححه الألباني صحيح الجامع الصغير: 6293].
قال القرطبي -رحمه الله-: “وإنما كانت هذه السور أخص بالقيامة لما فيها من انشقاق السماء وانفطارها، وتكور شمسها وانكدار نجومها، وتناثر كواكبها إلى غير ذلك من الفزع والأهوال”. [التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة ص: 538].
وكما تشققت السماء فإنه يتغير لونها، إذاً السماء يحدث لها عدة أمور، فيحدث لها تصدع فطور وتشقق، ويحدث لها كذلك رقة، وتصبح هشة، سمك مسيرة خمسمائة سنة، تصبح هشة، وكذلك يتغير لونها فتصبح إلى الاحمرار فكانت وردة كالدهان،
قال : فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ [الرحمن: 37].
يعني: حمراء كلون الورد، وكالزيت المغلي والرصاص المُذاب، من شدة الأمر وهول القيامة، وقيل: إنها إذا طويت تكور شمسها وقمرها وسائر نجومها وتصير تارة كالمهل، وتارة كالدهان.
وأخرج البيهقي عن ابن مسعود  قال: “السماء تكون ألوان كالمهل وكالدهان وواهية وتشقق فتكون حالاً بعد حال”. [فتح الباري: 11/376].
إذاً هناك تغير تعتري السماء في الألوان، وفي البُنية، وجمع بعضهم بأنها تنشق أولاً فتصير كالوردة وكالدهان، وواهية وكالمهل، وتكور الشمس والقمر وسائر النجوم، ثم تطوى السماوات يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ [الأنبياء: 104]، كما يطوي القاضي السجلات.
ونقل القرطبي في تذكرته عن أبي الحسن بن حيدرة صاحب الإفصاح أنه جمع بين هذه الأخبار بأن تبديل السموات والأرض يقع مرتين، إحداهما: تبدل صفاتهما فقط، وذلك عند النفخة الأولى، فتنثر الكواكب، وتخسف الشمس والقمر، وتصير السماء كالمهل، وتكشف عن الرؤوس، وتسير الجبال، وتموج الأرض وتنشق، إلى أن تصير الهيئة غير الهيئة، ثم بين النفختين تطوى السماء، والأرض وتبدل السماء والأرض، إلى آخر كلامه والعلم عند الله -تعالى-. [التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة ص: 506].
لكن لا شك أن هذه التغيرات تكون بعد قيام الساعة، هذه التغيرات تكون إذا قامت الساعة، وبعد النفخة الأولى تغيرات إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، وتستقر الأمور، لكن ما بين ذلك تغيرات متوالية، وأشياء هائلة، الشمس والقمر يوم القيامة مع عظمهما ونورهما ضوء الشمس وضوء القمر يعتريهما من التغيرات العظيمة،
قال تعالى: فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ ۝ وَخَسَفَ الْقَمَرُ ۝ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ۝ يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ [القيامة: 10].
فإذا كانت القيامة برقت الأبصار من الهول وشخصت، فلا تطرف كما
قال تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ۝ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ [إبراهيم: 43]، من الخوف والفزع، وَخَسَفَ الْقَمَرُ[القيامة: 8]، يعني ذهب نوره وسلطانه، وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ[القيامة: 9]، لأنهما لم يجتمعا منذ خلقهما الله، فإن الله خلقهما خلق الشمس والقمر وكل واحد منهما في فلك يسبح فيه، فلم يلتقيا، كل في فلك.
الآن جمع الشمس والقمر، كانت الشمس في النهار والقمر في الليل، جُمع الشمس والقمر، ويخسف القمر، وتكور الشمس، ثم يقذفان في النار؛ ليرى عباد الكواكب أنهما مسخران، فيكون في ذلك تبكيتاً لهم، و يَقُولُ الْإِنْسَانُ حين يرى هذه القلاقل المزعجة: أَيْنَ الْمَفَرُّ [القيامة: 10]،
والخلاص والنجاة والفكاك مما أصابنا وطرقنا،
كَلَّا لَا وَزَرَ[القيامة: 11]،
فلا ملجأ لأحد دون الله:
إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ[القيامة: 12].
وقال : إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ۝ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ۝ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ۝ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ۝ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ۝ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ۝ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ۝ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ۝ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ۝ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ۝ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ ۝ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ۝ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ۝ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ [التكوير: 1 – 14].
فلفت الشمس، وذهب ضوؤها، كورت لفت وذهب ضوؤها، والنجوم تناثرت فذهب نورها، والجبال سيرت عن وجه الأرض، فصارت هباءً منبثاً، والنوق الحوامل تركت وأهملت، والحيوانات الوحشية جمعت واختلطت ليقتص لبعضها من بعض، والبحار أوقدت فصارت ناراً.
والعجيب أن الماء يطفئ النار، لكن هذه المرة الماء نفسه يشتعل؛ لأن البحار فجرت وسجرت، فهما تفجير وإيقاد، فهي تتوقد وتشتعل ناراً، فجرت وسجرت، وهكذا السماء قلعت وأزيلت من مكانها كشطت، والنار أوقدت، والجنة أعدت وقربت.
عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: الشمس والقمر مكوران يوم القيامة [رواه البخاري: 3200]،
فهذا التكوير الذي أشار إليه ربنا  بقوله: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ.
وقد أخرج الطيالسي وأبو يعلى من حديث أنس : إن الشمس والقمر ثوران عقيران في النار [مسند الطيالسي: 2103، ومسند أبي يعلى: 4116]، وصححه الألباني [صحيح الجامع: 1643].
عقيران: مقعوران، وأصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف فيهوي، ثم استعمل توسعاً في القتل أو الهلاك، فالشمس والقمر يكونان كهيئة الثور ثوران عقيران الذي قطعت قوائمه ليهوي، فإذاً هكذا تهوي الشمس والقمر، يجمعان ويذهب ضوؤهما، ويكوران ويرمى بهما في النار.
هل عقوبة للشمس والقمر؟
الجواب: لا؛ لأن الشمس والقمر ليس بمكلفين حتى يعاقبان، لكن هذا تبكيت وخزي لعباد الكواكب، الذين كانوا يعبدون الشمس والقمر في النار يجمع بينهم، وبين المعبود، فأي خزي أعظم من ذلك، عندما يرى عابد الشمس، وعابد القمر، وعباد الكواكب والنجوم، أن المعبودات التي كانوا يعبدونها في الدنيا ويعظمونها، وإذا أشرقت الشمس سجدوا لها، وإذا غربت الشمس سجدوا لها، عندما يرون أن هذه معهم في النار تهوي ثوران عقيران مكوران.
وأخرج أبو يعلى من حديث أنس  رفعه من حديث أنس وفيه: ليراهما من عبدهما، مثل ما قال الله -تعالى- في عباده:
إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [الأنبياء: 98].
وأخرج ابن وهب في كتاب الأهوال عن عطاء بن يسار في
قوله تعالى: وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ [القيامة: 9]،
قال: يجمعانا يوم القيامة، ثم يقذفان في النار، قال الحسن: وما ذنبهما؟ فقال أبو سلمه: أحدثك في الرواية قال الحسن: وما ذنبهما؟ فقال أبو سلمه: أحدثك عن رسول الله ﷺ وتقول: وما ذنبهما! [ذيل طبقات الحنابلة: 1/75].
قال الشيخ عبد الرحمن المعلمي -رحمه الله-: أبو سلمه هو ابن عبد الرحمن بن عوف من كبار أئمة التابعين، مُكثر الرواية عن الصحابة، وقول الحسن لأبي سلمه: وما ذنبهما يمثل حال أهل العراق في استعجال النظر فيما يُشكل عليهم، فجواب أبي سلمه يمثل حال علماء الحجاز في التزام ما يقضي به كمال الإيمان من المسارعة إلى القبول والتسليم، ثم يكون النظر بعد. [الأنوار الكاشفة: 1/192].
قال الخطابي -رحمه الله-: “ليس المراد بكونهما في النار تعذيبهما بذلك، ولكنه تبكيت لمن كان يعبدهما في الدنيا، ليعلموا أن عبادتهم لهما كانت باطلاً”، وقيل: “إنهما خلقا من النار فأُعيدا إليها”. [فتح الباري: 6/300].
وقال الإسماعيلي: “لا يلزم من جعلهما في النار تعذيبهما، فإن لله في النار ملائكة وحجارة وغيرها، لتكون لأهل النار عذاباً، وآلة من آلات العذاب، وما شاء الله من ذلك فلا تكون هي معذبة”. [فتح الباري: 6/300].
وقال المناوي: “فسقط قول المشككين على الأصول الإسلامية، ما ذنبهما حتى يعذبان؟
وقال -يعني عن كلام المعترضين-: لماذا الشمس والقمر في النار؟ وماذا عملا حتى يدخلا النار؟
قال: وما هذا إلا كرجل قال في قوله تعالى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة: 24]،
ما ذنب الحجارة؟
فنقول: إذاً هذا زيادة عذاب في النار لمن كان يعبدهما من دون الله، قوم إبراهيم كانوا يعبدون الشمس والقمر والكواكب، ولذلك إبراهيم  لما ناظرهم عندما رأى الشمس بازغة ورأى القمر ورأى كوكباً من باب أن يبين
لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ [الأنعام: 76]، كيف يكون إلهاً ثم يغيب [فيض القدر لزيد المناوي: 6/132].
يوم القيامة يوم طويل خمسون ألف سنة فيه مواقف ومشاهد، حتى الشمس هذه التي نتكلم عنها، والسموات إلى آخره تمر بمواقف في تغيرات، فمثلاً الشمس تدنو من رؤوس الخلائق، والشمس تُجعل في النار عذاباً لعابديها، هذه أشياء تحدث على مراحل، فالناس يقومون يوم القيامة ويجمعون في أرض المحشر، وسبق الكلام في أرض المحشر، وهل التغير في هذه الأرض التي نحن عليها تغير ذات أو تغير صفات، وهل أرض المحشر هي أرض أخرى تختلف تماماً عن هذه الأرض، أو أن أرضنا هذه وقد غيرت، وبُسطت، وصارت صقيلة، ومستوية، وأرض لم يُعمل عليها شر قط، يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ[إبراهيم: 48] أيضاً تبدل.
نتابع بإذن الله ثانى سلسلة أهوال يوم القيامة

قد يعجبك ايضا
تعليقات