القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

(جواز الاحتفال بمولد النبي ﷺ)

255

بقلم / دكتور احمد يوسف الحلواني
مع بداية فترة السبعينيات كَثُرَ وشَاعَ كَلاماً تَضحكُ منه الثكلى ويشيب منه الأقرع ..فقد زَعمَ بَعض مَن ادعوا اتباعهم للسلف الصالح ، أن الإحتفال بمولد النبى ﷺ مِن البدع المحرمة ، وأنه لو كان خيرً لكان اولى بفعله النبى ﷺ وصحابته الكرام رضوان الله عليهم، واصبحنا نسمع كلاماً لايمت الى العلم بصلة بل كلاماً يراهنون به على عواطف ومشاعر المسلمين ، مثل هل أنت أفضل من ابى بكر وعمر وعثمان وعلى ..الخ.
وفى هذه السطور نَرد على عدة نقاط اولها ، هل ترك النبى ﷺ وصحابته الكرام للفعل من مصادر التشريع.؟
فقد صنف العلامة الغمارى رسالة ، ونَظمَ ابياتاً فى منتهى الروعة والدقة شافية كافية أسماها: «حسن التفهم والدرك لمسألة الترك»، وافتتحها بأبيات جميلة حيث قال:
الترك ليس بحجة في شرعنا * لا يقتضي منعا ولا إيجابا
فمن ابتغى حظرًا بتـرك نبينا * ورآه حكمًا صادقًا وصوابا
قد ضل عن نهج الأدلـة كلها * بل أخطأ الحكم الصحيح وخاب
لا حظر يمكن إلا إن نهي أتى * متوعــدا لمخالفيه عذابا
أو ذم فعل مؤذن بعقـوبة * أو لفظ تحـريم يواكــب عابا
(انتهى)
وثانيا هل جواز الاحتفال بمولد النبى ﷺ لم يقل به احد من العلماء الثقات.؟
والاجابة بالطبع لا .
ومَن شاءَ فلينظُر ما ذكرَهُ الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله من أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بدعةٌ حسنة.
وأنه لا تصحُ فتوى من أفتى بأن الاحتفالَ بذكرى المولد بدعةٌ محرمةٌ ومثل ذلك ذكرَ العلماء الذين تُعْتَمَدُ فتواهم كالحافظ ابن دحية والحافظ العراقي والحافظ السخاوي والحافظ السيوطي والشيخ ابن حجر الهيتمي والشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية الأسبق والشيخ مصطفى نجا والشيخ محمد الطاهر بن عاشور التونسي المالكي وغيرهم كثير.
وللحافظ السُّيوطيِّ رسالةٌ سماها حسنُ المقصِد في عملِ المولد بيّن فيها أن عملَ المولدِ منَ البدعِ الحسنةِ التي يُثاب عليها صاحبُها لما فيه منْ تعظيمِ قدرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وبَيَّن السُّيوطيُّ أنّ أولَ مَن أحدثَ عملَ المولدِ الملكُ المظفرُ ملكُ إربل وكان منَ الملوكِ الأمجادِ والكبراءِ الأجوادِ وكانَ له ءاثارٌ حسنةٌ وهو الذي عمّر الجامعَ المظفريَّ بسَفْحِ قاسْيون.
وقال ابنُ كثيرٍ في تاريخِه عن هذا الملك كان يعملُ المولدَ الشريفَ في ربيعٍ الأول ويحتفلُ به احتفالاً هائلاً، وكان شهمًا شجاعًا بطلاً عالمًا عادِلاً رحمه اللهُ وأكرَمَ مثواه.
وقال ابنُ كثير وقد صنفَ له الشيخُ أبو الخطابِ بنُ دحية مجلدًا في المولد سماه التنويرُ في مولدِ البشيرِ النذير وقد طالتْ مدتُه في المُلك إلى أن ماتَ وهو محاصِرٌ للفرنج بمدينة عكا سنة ثلاثين وستمائة محمودَ السيرة والسريرة، ولم يَعترِضْ عليهِ في هذا الفعلِ في عصرِه ولا فيما بعدَه أحدٌ منَ العلماءِ المعتبرينَ بلْ وافقُوا على ذلكَ ومدَحُوه لما فيه من البركةِ والخيراتِ.
انتهى
وأخيرا والأهم ، هل الاحتفال بمولد النبى ﷺ بدعة ؟
والاجابة نعم بدعة. ولكن هل كل بدعة محرمة ؟ والاجابة بالطبع لا . فهناك بدع محرمة وبدع حسنة ومن أمثلتها الاحتفال بالمناسبات الدينية كالمولد النبوى الشريف والهجرة، والصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الأذان من المؤذن جهرا، وغير ذلك.
فكل ماسبق من الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم والهجرة والصلاة على النبي جهرا بعد الانتهاء من الآذان أفعال لم تكن في زمن النبوة ولا الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم .

فقد قسم البدع إلى خمسة أقسام تقابل الحكم التكليفى.. بدعة محرمة , وواجبة , ومندوبة ومكروها ومباحة.
فالبدعة المحرمة فعل نص الكتاب والسنة على تحريمه وان لم يكن فى زمان النبى صلى الله عليه وسلم مثل بدع العقيدة كالمرجئة والمجسمة والمجبرة.
ويقابل المحرم الواجب أو الفرض ومن أمثلة البدع الواجبة , جمع القران الكريم في مصحف واحد , وتعلم علم التجويد والنحو وأصول الفقه والحديث , فكل ذلك بدع لم تكن فئ زمان النبي صلى الله عليه وسلم , ومنها ما لم يكن في زمان الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم.
وهناك بدع مستحبة مثل تزين المصاحف وتعظيمها .
ومنها المكروه مثل زخرفة المساجد ومنها المباح كالتوسع في المأكل والمشرب والسيارات وأمور الدنيا.
فكل ماسبق من البدع .. ولكن ليس كل بدعة لم تكن في زمان النبوة محرمة بل من الممكن كما أوضحنا أنها واجبة.
ومن العلماء من عرفها بأنها فعل (مما ليس له أصل في الشرع ) مثل الحافظ ابن حجر العسقلاني صاحب فتح الباري وقد ذكرها في الفتح.
فيكون كل فعل ليس له أصل من الشرع فهو بدعة..كما انك لو تعبدت إلى الله بتعرضك للشمس أو بعدم النوم أو عدم الزواج أو بجلد وتعذيب الأجساد .
(اعتراض المتشددين على تقسيم البدعة)
لا شك أن تقسيم البدعة إلى أقسام تمدح وتذم أزعجهم كثيرا واحتجوا عليه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (كل بدعه ضلالة ، وكل ضلالة في النار) رواه مسلم .
وقالوا النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا , كل بدعة ضلالة فمن أين لكم بتقسيمات خماسية وبدع تذم وتمدح.
نقول لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أيضا في حديث صحيح مسلم
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ . وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْء) .

فهذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم اقر انه من سن في الإسلام سنة حسنة لم تكن في زمانه صلى الله عليه وسلم فله أجرها واجر من عمل بها ..الى آخر الحديث الشريف.
والعجيب ردهم هذا الحديث بتأويل اترك الحكم عليه للقارئ العزيز.
وهو (أن من سنة في الإسلام سنة حسنة معناها من أحيا في الإسلام سنة قد ماتت).
ونقول إن صح تأويلكم فما قولكم في باقي الحديث من سن في الإسلام سنة سيئة , فهل كان في الإسلام سنن سيئة ماتت ومن أحياها فله وزرها ووزر من عمل بها .
اللهم صلِّ على سيدنا محمد طب القلوب ودوائها، وعافية الابدان وشفائها، ونور الابصار وضيائها، وعلى آله وصحبه وسلما و اجعلنا من عبادك المتقين وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وعملاً وفقهاً وإخلاصاً في الـدين.

قد يعجبك ايضا
تعليقات