القاهرية
العالم بين يديك

نبذه عن سعيد بن سعيد بن العاص ” الجزء الأول “

197
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ومازال الحديث موصولا عن صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن السيرة النبوية الشريفه، وعلينا أن نتذكر أنه فى يوم من الأيام نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج لبيت الله الحرام وكان فى هذا العام، قد اجتمع حوله مائة وأربعة وأربعون ألفا من الناس في مشهد عظيم، وكان ذلك المشهد فيه معاني العزة والتمكين، وقد ألقى الله عز وجل بهذا المشهد العظيم الرعب والفزع في قلوب أعداء الدعوة ومحاربيها، وكان غصة في حلوق الكفرة والملحدين ولقد كان قبل هذا المشهد بثلاث وعشرين سنة من ذلكم الوقت، كان هناك فرد وحيد، يعرض الإسلام على الناس فيردونه، ويدعوهم فيكذبونه، في ذلكم الحين كان المؤمن لا يأمن على نفسه أن يصلي في بيت الله وحرم الله، وها هم اليوم مائة وأربعة وأربعون ألفا يلتفون حول الصادق الأمين النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في مشهد يوحي بأكمل معاني النصر والظفر.
ويجسد صورة رائعة، تحكي بأن الزمن وإن طال، فإن الغلبة لأولياء الله وجنده، ومهما حوربت الدعوة وضيق عليها، وسامها الأعداء ألوان العداء والاضطهاد، فإن العاقبة للحق ولأهل الحق العاملين المصلحين، ولقد سار ذلكم الركب المبارك يدوس الأرض، التي عذّب من عذّب فيها، وسحب على رمضائها مَن سُحب، وساروا يمرّون على مواضع لم تزل ولن تزال عالقة في ذكراهم، قد ذاقوا فيها ألوان العذاب والقهر والعنت، وسار النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، ليدخل المسجد الحرام الذي لطالما استقسم فيه بالأزلام، وعبدت فيه الأصنام، وقد دخله طاهرا نقيا، تردد أركانه وجنباته لا إله إلا الله، ورجع الصدى من جبال مكة المكرمة ينادي لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، فانظر إلى فرد واحد يدعو إلى كلمة الله عز وجل، ويمر الزمان وتنقضى السنوات وتصبح أمه من ألاف البشر المسلمين المؤمنين الموحدين بالله تعالى.
ومن هؤلاء هو الصحابى الجليل سعيد بن العاص وهو سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي، وكنيته أبو عبد الرحمن، وقد مات أبوه يوم بدر في جيش قريش، وهو صحابي صغير مات النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وله تسع سنين أو نحوها، وكان أحد أشراف قريش وأجوادها وفصحائها الممدّحين، وكان له ذكر في كتب الحديث، وقد روى الحديث عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب والسيدة عائشة بنت أبي بكر، وقد روى عنه الحديث بنوه عبد الرحمن وعثمان والأشدق، وعروة بن الزبير، وسالم بن عبد الله وغيرهم، وقد عرض عليه القرآن الكريم في خلافة عثمان بن عفان حين جمع القرآن لأن قرائته كانت أشبه بقراءة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد تولي الكوفة في عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان ما يقارب من خمس سنين، وغزا طبرستان فافتتحها.
ولما وقعت فتنة الخلافة بين الإمام علي بن أبي طالب وبين معاوية بن أبي سفيان، اعتزل الفتنة، وأقام بمكة، وكان معاوية يقدمه من بين رجالات قريش، وولاه المدينة المنورة سنة اثنين وأربعين من الهجرة، لأكثر من مرة مناوبة مع مروان بن الحكم، وكان سعيد يقول، لجليسى عليّ ثلاث خصال، إذا دنا رحبت به وإذا جلس أوسعت له وإذا حدث أقبلت عليه، وقد ورد أنه استسقى ذات يوم من دار من دور المدينة فسقوه، ثم إن صاحب الدار عرضها للبيع بأربعة آلاف دينار كانت عليه، فقال سعيد إن له علينا ذماما وأداها عنه، وقد أطعم الناس في سنة مجدبة حتى أنفق ما في بيت المال وأدان، فعزله معاوية لذلك، وقد مات سعيد بن سعيد بن العاص في قصره بالعرصة على بعد ثلاثة أميال من المدينة المنورة ودفن في البقيع بناء على وصيته سنة تسعه وخمسين من الهجرة، وكان سعيد بن العاص هو ابن أبي أحيحة، سعيد بن العاص بن أمية.
بن عبد شمس بن عبد مناف ابن قصي، وهو والد عمرو بن سعيد الأشدق، ووالد يحيى، القرشي الأموي المدني وقد قتل أبوه يوم بدر مشركا، وخلف سعيدا طفلا، وقيل أنه لم يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه روى عن عمر بن الخطاب، والسيدة عائشة، وكان أميرا، شريفا، جوادا، ممدحا، حليما، وقورا، ذا حزم وعقل، يصلح للخلافة، وقد تولي إمرة المدينة غير مرة لمعاوية بن أبى سفيان، وقد تولي إمرة الكوفة لعثمان بن عفان، وقد اعتزل الفتنة، فأحسن، ولم يقاتل مع معاوية ولما صفا الأمر لمعاوية، وفد سعيد إليه فاحترمه، وأجازه بمال جزيل، ولما كان على الكوفة، قد غزا طبرستان، فافتتحها، وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم، ولسعيد تسع سنين أو نحوها، ولم يزل في صحابة عثمان بن عفان لقرابته منه، فولاه الكوفة لما عزل عنها الوليد بن عقبة، فقدمها وهو شاب مترف فأضر بأهلها ، فوليها خمس سنين إلا أشهرا.
ثم قام عليه أهلها، وطردوه، وأمروا عليهم أبا موسى الأشعرى، فأبى وجدد البيعة في أعناقهم لعثمان بن عفان، فولاه عثمان عليهم، وكان سعيد بن العاص يوم الدار مع المدافعين عن عثمان، ولما سار طلحة والزبير، فنزلوا بمر الظهران، فقام سعيد خطيبا، وقال أما بعد، فإن عثمان عاش حميدا، وذهب فقيدا شهيدا، وقد زعمتم أنكم خرجتم تطلبون بدمه، فإن كنتم تريدون ذا، فإن قتلته على هذه المطي، فميلوا عليهم، فقال مروان لا بل نضرب بعضهم ببعض، فقال المغيرة الرأي ما رأى سعيد، ومضى إلى الطائف، وانعزل سعيد بمن اتبعه بمكة، حتى مضت الجمل وصفين، وقال قبيصة بن جابر، أنه سألوا معاوية بن أبى سفيان من ترى للأمر بعدك ؟ قال أما كريمة قريش فسعيد بن العاص، وقيل أنه خطب سعيد بن العاص السيدة أم كلثوم بنت الإمام علي بن أبى طالب رضى الله عنهم أجمعين بعد وفاة زوجها عمر بن الخطاب.
وبعث إليها بمائة ألف، فدخل عليها أخوها الحسين، وقال لها لا تزوجيه، فقال الحسن، أنا أزوجه، واتعدوا لذلك، فحضروا، فقال سعيد، وأين أبو عبد الله ؟ فقال الحسن سأكفيك، فقال سعيد فلعل أبا عبد الله، كره هذا، قال نعم، فقال سعيد لا أدخل في شيء يكرهه، ورجع، ولم يأخذ من المال شيئا، وقال سعيد بن عبد العزيز الدمشقى، إن عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص، لأنه كان أشبههم لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن الواقدي قال أن سعيدا أصيب بمأمومة يوم الدار، فكان إذا سمع الرعد، غشي عليه، وقال هشيم أنه قدم الزبير الكوفة، وعليها سعيد بن العاص، فبعث إلى الزبير بسبعمائة ألف، فقبلها، وقال صالح بن كيسان، أنه كان سعيد بن العاص يخف بعض الخفة من المأمومة التي أصابته، وهو على ذلك من أوفر الرجال وأحلمهم، وكان مروان يسب الإمام علي رضي الله عنه في الجمع، فعزل بسعيد بن العاص، فكان لا يسبه.

قد يعجبك ايضا
تعليقات