القاهرية
العالم بين يديك

رمضان وطقوسه فى زمن الكورونا

205

رانيا ضيف تكتب 

أيام قليلة ويطرق بابنا زائر عزيز، وغالى،

ننتظره من العام للعام بالكثير من الشوق،واللهفة..

فهو شهر التنقية، والتزكية، وتغذية الروح .

فنحن نشحن أرواحنا فى هذا الشهر الكريم بطاقات المحبة، والطمأنينة .

فنتودد للودود،ويتودد إلينا، وترتاح أجسادنا

قليلا من الشراب،والطعام فى فترة الصيام؛فيصح الجسد،وتسمو الروح ،وترتقى..

قد ارتبط شهر رمضان فى أذهاننا بصلاة التراويح فى المساجد، وبسباق الأهل، والأصدقاء فى ختم القرآن .

كما ارتبط بالزيارات، والولائم ،وصلة الرحم، والكرم .

رمضان حالة من القرب، والطمأنينة، والألفة..

ولكن ماذا عن رمضان فى زمن الكورونا ؟!

ستتعجب عزيزى القارىء عندما أقول لك؛أن رمضان هذا العام هو الأكثر تميزًا، وهو فرصة ذهبية، وفرصة حقيقية، لتتعرف على نفسك،وعلى ربك بصدق!

فلا مجال للرياء،أو الاعتياد،ولا مجال للتباهي بالكرم، أو التلاهى بكثرة الولائم ..

رمضان هذا العام هو هدية من رب العالمين لنا؛

كى تعود العبادة لأصلها الروحاني، فإن فرض الواقع علينا الابتعاد عن كل مظاهر العبادة الشعائرية المعتادة فى تجمعات؛كصلاة الفروض جماعة،أو صلاة التراويح، والتهجد، فلنجعلها فرصة لنختلى بخالقنا؛فنصلى صلاة حقيقية الصلة بين العبد وربه فى خلوة ..

فلا مقاطعات،ولا انشغالات بالغير، فلا مجال لتشتت الذهن،أو الشرود..

(( وعَنْ جَابِرٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :إِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِهِ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا ))

وهذا العام لبيوتنا كل النصيب من صلاتنا،

فليؤم كل رب أسرة أهل بيته، وليجعل نيته

إصلاح الخلل، وتعويض التقصير، وتأسيس للمحبة،والمودة،والرحمة ..

فرمضان هذا العام هدية لكل أسرة ضاع بين أفرادها الود،والصلة ؛سواء لانشغال الآباء،أو انجذاب الأبناء لتقضية أوقاتهم مع رفقائهم،

ففى هذه الأجواء التواجد فى المنزل أصبح ضرورة،ووضع مفروض لا بديل عنه .

فأهلًا برمضان يعيد للأسرة تماسكها، وترابطها، ويقوى أواصر المحبة ،والود بينهم ..

ولنشارك أطفالنا فى صناعة الزينات،وتخصيص أماكن للصلاة،وقراءة القرآن، وتقضية وقت ممتع وسعيد، ونستغلها فرصة، ونحدثهم عن مفهوم الصيام، وفضل الشهر الكريم ..

لمحة أخرى جديرة بإلقاء الضوء عليها

اعتاد الكثير من الناس فى هذا الشهر الكريم

أداء العمرة؛ حتى أن البعض كان يحرص على أدائها كل عام، أو عدة مرات فى العام الواحد !

فماذا لو أنفقنا نفقات العمرة فى دعم القطاع الطبى،وذوى الحاجات ممن تضرروا من ساعات الحظر؛ لعدم تمكنهم من الإنفاق على أسرهم ،وجلب قوت يومهم ؟!

ماذا لو ارتقينا بمفهوم العبادة السائد،والمتمثل فى الشعائر؛ لمفهوم الإعمار فى الأرض،ونفع الناس !

قال تعالى: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)

والله إنه لو تعلمون عند الله عظيم

ماذا لو تعاملنا برحمة،وذكاء، وفهمنا مقاصد الدين، وفقه الواقع ؟!

وذلك أكثر ما نحتاجه الآن !

ولا ننكر أن رمضان هذا العام سيجنبنا إهدار النعم فى الولائم المبالغ فيها، وسنستبدلها بفطور مناسب لكل أسرة بلا مبالغة ..

ويمكننا إستبدال الولائم بصنع وجبات؛وتوزيعها على رِقاق الحال، والمعسرين،وأصحاب الحاجة،

تالله إنه لنعم الأجر والثواب

قال تعالى :

{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا؛ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا؛ إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا؛ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا؛ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان:5-12].

لقد قضينا عزيزى القارىء الكثير من شهور رمضان المعتادة بنفس النمط،والسلوكيات،والعبادات،والطقوس.

هل لاحظنا اختلاف فى تقدم الأمة،أو طفرات نجاح ،أو تقدم علمى ،وحل أزمات ؟!!

هل فهمنا ديننا، والمراد منا،هل سادت الأخلاق الحميدة، والاهتمام بالعلم، واتقان العمل ؟!

هل رأينا ثمرة الشهر الكريم فى الاهتمام بالنظافة،والإتقان،والإيثار،والمحبة، ونفع الناس،والرحمة ؟!

إذا لم يكن للشهر الكريم ثمرات واضحة جلية، وطفرات فى التقدم، والوعى، والعمل فى الأوقات السابقة

فلعل هذا العام فرصة لإعادة النظر فى مقاصد الشريعة والعبادات ،وأهداف التربية الروحية، والدينية الصحيحة ..

لعل رمضان هذا العام فرصة حقيقية للتفكر، والتأمل فى أحوالنا ؛فتأتي الرياح بما تشتهى السفن هذه المرة ..

وكل عام وأنتم بخير ،

ورمضان كريم ..

قد يعجبك ايضا
تعليقات