إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثانى مع الصحابى الجليل سعيد بن سعيد بن العاص ولقد كان سعيد بن العاص كريم وجواد حتى أنه قيل إذا قصده سائل وليس عنده شيء قال اكتب علي سجلا بمسألتك إلى الميسرة، وقيل أنه مات وعليه ثمانون ألف دينار، وعن سعيد بن العاص قال، إن القلوب تتغير فلا ينبغي للمرء أن يكون مادحا اليوم ذاما غدا، وقيل أنه مات مع أبي هريرة سنة سبة أو ثمانية وخمسين من الهجرة، وقيل إن عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق سار بعد موت أبيه إلى معاوية، فباعه منزله وبستانه الذي بالعرصة بثلاثمائة ألف درهم، ويقال بألف ألف درهم، وقد كان سعيد بن العاص أحد من ندبه عثمان بن عفان لكتابة المصحف وذلك لفصاحته، وشبه لهجته بلهجة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان سعيد صحابي موغل في المجد عريق المكانة وجده سعيد كان يقول له ذو التاج لأنه كان إذا اعتم لا يعتم أحد من قريش من لون عمامتة.
حتى ينزعها إعظاما له و إعلاء من شأنه وأبوه العاص بن سعيد كان سيد من سادات قريش وكبيرا من كبرائها خاض مع المشركين معركة بدر الكبرى وأخوه عتبه فقتل معا وكان مصرع العاص على يد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان سعيد يوم قتل أبوه وعمه في بدر في الثانية من عمره فكفله عثمان بن عفان رضي الله عنه بسبب ما كان بينهما من أواصر النسب، فنشأ سعيد بن العاص في كنف الجواد العباد السجاد ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه وتربى على يد زوجته رقية وأم كلثوم بنتا النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فورث المجد كابر عن كابر ونهل الشمائل الكريمة وأخذ الإسلام من أعزز مناهله وأقوها وقرأ القرآن على عثمان بن عفان رضي الله عنه وتلاقاه من فم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فكان أشبه الناس لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان في جملة الاثنى عشر رجل الذين كتبوا القرآن الكريم.
في عهد الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه، وقد بدت عليه علامات السيادة منذ كان فتى يافع فقد روي ذات مرة أن سيدة قد ندرت أن تعطي بورد ثمين عندها لأكرم العرب فقيل لها أعطيه لهذا الغلام فسميت الثياب الفاخرة بعد ذلك بالسعيديه نسبته إليه فقد ولى سعيد بن العاص للمسلمين الولايات وقاد لهم الجيوش وفتح لهم الفتوح حيث فتح الله عليه يديه طبرستان وجرجان وظل واليا من قبل عثمان بن عفان على المدينة المنورة مدينة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حتى استشهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكانت الصفة التي غلبت عليه هي الجود والكرم حتى أن معاوية بن أبي سفيان لقبه بكريم قريش فقد أغدق الله عليه بمال بغير حساب فجاد به سعيد على عباد الله بغير حساب وقد روي له في ذلك أخبار رائعة كثيرة وحكيت عنه قصص مثيرة ملئت صفحات التاريخ ضياء ومن ذلك أنه كان يسر سرر المال.
في كل جمعة ورجل من القراء يجلس في مجلسه ويأخذ عنه كتاب الله تعالى فافتقر وأصابته فاقة شديدة فقالت له زوجته إن أميرنا سعيد بن العاص يوصف بالجود فلو ذكرت له حالك فلعه يسمح لك بشيء فقال ويحك أتريدين أن تسلخي وجهي ولله لا أفعل فمازالت تشتد عليه الحاجة وتلح عليه زوجته في الطلب حتى أتى مجلس سعيد بن العاص كما كان يأتيه كل مرة، فلما انصرف الناس ظل الرجل جالسا في مكانه فأقبل عليه سعيد وقال أظن جلوسك لحاجة فسكت الرجل فقال سعيد لغلمانه انصرفوا فلما خرجوا قال له لم يبقى غيري وغيرك فاذكر حاجتك فسكت الرجل فأطفأ المصباح وقال له رحمك الله لست ترى وجهي فذكر حاجتك فقال الله أصلح الله الأمير أصابتنا فاقة فأحببت أن أذكرها لك واستحييت فقال له سعيد هون عليك وإن أصبحت فألقى وكيلي فلانا فلما جاء الصباح لقى الرجل وكيل سعيد بن العاص فقال له إن الأمير قد أمر لك بشيء.
فأتي بمن يحمله معك فقال له ما عندي من يحمله ثم ذهب إلى زوجته وقال حملتيني على بذل ماء وجهي لسعيد بن العاص، فأمر لي بشيء يحتاج إلى من يحمله وما أراه أمرني إلا بدقيق أو طعام لو كان مالا ما احتاج إلى من يحمله وأعطنيه بيديه فقال المرأة مهما أعطاه فإننا بحاجة إليه فخذه فرجع الرجل إلى الوكيل فقال إني أخبرت الأمير أنه ليس لديك أحدُ يحمل عطيته لك فأرسل إليك بهؤلاء الغلمان الثلاث ليحملوها معك فمضى الرجل أمامهم فلما بلغوا البيت وعلى رأس كل واحد منهم عشرة آلاف درهم فقال لهم ضعوا ما معكم وانصرفوا فقالوا له إن الأمير قد وهبنا لك وإنه ما بعث بغلام لأحد إلا وكان الغلام في جملة الهدية، وقيل أنه سأل أعرابي سعيد بن العاص رضى الله عنه، فأمر له بخمسمائة فقال لوكيله خمسمائة درهم أم دينار فقال إنما أمرت بخمسمائة درهم فأما أنه جاء بخاطرك أنه دنانير فدفع إليه خمسمائة دينار.
فجلس الأعرابي يبكي فقال له سعيد ما بك أم تقبض عطاءك فقال بلى ولله ولكن أبكي على الأرض كيف تواري مثلك، وكان من نصائح سعيد بن العاص لابنه، عم يا بني ابذل المعروف ابتداء من غير مسألة أما إذا أتاك الرجل تكاد ترى دمه في وجهه من الحياء أو جاءك مخاطر لا يدري أتعطيه أم تمسك عنه فولله لو خرجت له جميع مالك ما كافأته، ولما حضرت الوفاة سعيد بن العاص جمع بنيه وقال لهم يا بني لا يفقدن أصحابي بموتي غير وجهي فصلوهم بما كنت أصلهم به وأجروا عليهم ما كنت أجريه عليهم واكفوهم مؤنة الطلب فإن الرجل إذا طلب الحاجة اضطربت أركانه مخافة أن يرد فولله رجل يتملل على فراشه وهو يراكم أهلا لقضاء حاجته أعظم منه عليكم ممن تعطونه، فلما مات، قدم ابنه عمرو بن سعيد على معاوية بن أبي سفيان في دمشق يخبره بوفاته أبيه فبكى معاوية وقال إن لله وإنا إليه راجعون، وقال هل ترك أبوك من دين.
فقال له نعم قال وكم هو قال ثلاثة مائة ألف درهم فقال معاوية فهي عليه فقال ابنه أنه أوصاني أن أقضي دينه من ثمن أراضيه فاشترى منه أرضا بمبلغ الدين، وكان سعيد من أشراف قريش ويجتمع مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في جد من جدوده وهو عبد مناف، وكانوا يسمونه سعيد بن العاص الأصغر، للتفرقة بينه وبين سعيد بن العاص الأكبر، وقد خلط بعض الرواة بين السعيدين، وكانت أمه هى السيدة أم كلثوم بنت عمرو بن أبي قيس بن عبد ود، وهي أيضا قرشية الأصل والنشأة، وقد قتل زوجها العاص في غزوة بدر، وترك ابنه الصغير في مكة، لكن سعيد بن العاص رضي الله عنه، الطفل الصغير كغيره من الأطفال لم يرض بما يتمسك به آباؤهم ، بل لقد فر إلى المدينة ولازم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعلم منه الكثير في الفترة التي قضاها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مسجده ومجلسه وما يسمع منه، ويعلمه أصحابه.
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية