القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الصحابي شرحبيل بن حسنة ” الجزء الرابع “

161

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع الصحابى الجليل وكاتب الوحى شرحبيل بن حسنة، وقد توقفنا مع طاعون عمواس، هذا الطاعون الشديد الذي أصاب أعداد كبيرة من الناس، وقد أصيب فيمن أصيب منهم الصحابى الجليل شرحبيل بن حسنة ومعه معاذ بن جبل وأبو عبيدة بن الجراح وأبو مالك الأشعري ويزيد بن أبي سفيان، وقد كان شرحبيل في قتها أميرا على الأردن، فلم تدم إمارته طويلا في الأردن فقد عاجله الطاعون فسقط شهيدا، وفارق الدنيا في السنة الثامنة عشرة للهجرة وقد بلغ من العمر سبعة وستين عاما، وقد اختلف في وفاته رضي الله عنه فقيل مات يوم اليرموك، وقيل طعن، أي مات بالطاعون هو وأبو عبيدة في يوم واحد وقد أختلف حول نسب شرحبيل بن حسنه كثيرا بين الإخباريين فقيل هو من كندة وقيل من تميم كذلك، ومملكة كندة هي مملكة عربية قديمة قامت في وسط الجزيرة العربية وكان ملوكها من قبيلة كندة.

وقد انتزعت البحرين من المناذرة في العصر الجاهلي، ويعود ذكرها إلى القرن الثاني قبل الميلاد وذلك على أقل تقدير وقد لعبت دورا مفصليا عبر تاريخ العرب القديم، خلافا للممالك العربية الجنوبية القديمة، وكان ملوك كندة أقرب إلى المشايخ ويتمتعون بهيبة شخصية بين القبائل أكثر من كونهم حكومة وسلطة مستقرة، وهذا بمعنى أن نظام المملكة قام على اتحاد يجمع قبائل عديدة، في مستعمرات متباعدة عن بعضها تترأسها أسر من كندة، وكانوا وثنيين قبل الإسلام وقد اكتشفت عدد من النصوص المسندية بلغة سماها اللسانيون شبه سبئية في عاصمتهم الأولى بقرية الفاو، وليس من الواضح ما إذا كانوا اعتنقوا اليهودية، إلا أنه من المؤكد أن جزءا منهم كان في جيش يوسف ذو نواس، وهناك دلائل أن الأقسام التي تواجدت شمال الجزيرة العربية كانوا مسيحيين، وقد سقطت مملكتهم قبيل الإسلام بزمن غير بعيد وتفككت لعدة إمارات.

وكان آخرها دومة الجندل وأميرها أكيدر بن عبد الملك، والصحابى الجليل شرحبيل بن عبد الله بن المطاع بن عبد الله بن الغطريف بن عبد العزى بن جثامة بن مالك بن ملازم بن مالك بن رهم بن سعد بن يشكر بن مبشر بن الغوث بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، ورد انه كان يتميز بالشجاعة والفروسية وقد تولى قيادة الجيش الذي فتح الأردن وقام بقتال الروم في أرض الشام في عدة مواقع، وشرحبيل بن حسنة صحابي جليل وفاتح إسلامي عظيم اعتنق الإسلام في سنواته الأولي وهاجرة إلي الحبشه تميز بالشجاعة والإقدام والاستبسال في القتال وكان صحاب مهارات حربية لا تجاري أهلته ليكون من قادة جيش أمين الأمة أبو عبيدة بن الجراج إلي الشام حيث كان علي رأس الفيلق الذي توجه لفتح الأردن، وكان الصحابى شرحبيل بن حسنة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، بل أنه كان ملتصقا بالرسول صلى الله عليه وسلم.

في عديد من المواقف، بل كان شرحبيل هو الذي أخذ السيدة أم حبيبة بنت أبي سفيان من الحبشة بعد أن تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد زوجها إياه عثمان بن عفان، فهو الفاتح الإسلامي العظيم شرحبيل بن حسنة وكان يرتبط كذلك بعلاقات وثيقة مع كبار الصحابة حيث اكتسبه ثقتهم، وكانت مواقف الصحابي الجليل شرحبيل بن حسنة تكررت مع التابعين كذلك فقد روي عبد الله بن عدى عددا من المواقف التي جمعته بالصحابي الجليل شرحبيل قائلا اجتمع علينا العدو وطمعوا فينا وحملوا علينا في اثني عشر ألف فارس من الروم ونحن فيهم كالشامة البيضاء في جلد البعير الأسود، واستكمل بن عدي تفاصيل هذا الموقف فيقول وصبرنا لهم صبر الكراك ولم يزل القتال بيننا وبينهم إلى أن توسطت الشمس في قبة الفلك وقد طمع العدو فينا فرأيت شرحبيل بن حسنة قد رفع يده إلى السماء وهو يقول يا حي يا قيوم يا بديع السماوات والأرض.

يا ذا الجلال والإكرام اللهم انصرنا على القوم الكافرين، فوالله ما أتم شرحبيل كلامه ودعاءه حتى جاء النصر من عند الله العزيز الحكيم وذلك أن القوم داروا بنا فرأينا غبرة قد أشرفت علينا من صوب حوران فلما قربت لنا رأينا تحتها سوابق الخيل فلاحت لنا الأعلام الإسلامية والرايات المحمدية وقد سبق إلينا فارسان أحدهما ينادي ويزعق يا شرحبيل يا ابن حسنة أبشر النصر لدين الله أنا الفارس الصنديد والبطل المجيد أنا خالد بن الوليد، والآخر يزعق ويقول أنا عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وأشرفت العساكر من كل جانب، وأكتملت مشاهد النصر علي الروم إذ أشرفت راية العقاب يحملها رافع بن عميرة الطائي، وهذا هو البطل شرحبيل بن حسنة ويشهد له بذلك جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع الخلفاء الراشدين من بعده، ويكفي أن يذكر التاريخ عنه أنه فاتح الأردن، وأنه كان لجهاده في أرض الشام أثر كبير.

في اندحار الروم ونشر الإسلام في تلك الربوع، وقد مات شرحبيل بن حسنة يوم اليرموك، ويقال إنه طعن هو وأبو عبيدة بن الجراح في يوم واحد، وقيل عندما وقع طاعون عمواس في بلاد الشام، وقف عمرو بن العاص خطيباً في الناس فقال إن هذا الطاعون رجس فتفرقوا عنه في هذه الشعاب وفي هذه الأودية، لكنه أصاب شرحبيل، فما لبث أن مات في الطاعون، ودُفن في صيدا بلبنان، وقيل بل دُفن في الأردن في الأغوار، وكان عمرة سبعا وستين سنة، وهكذا عاشت وماتت الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين فمنذ نهاية عصر الفاروق عمر رضى الله رضى الله عنه، فقد بدت ملامح التغير في المجتمع المسلم واضحة للعيان، فقد اتسعت الفتوح، وفاض المال بأيدي المسلمين الذين كثروا، ودخل فيهم عناصر جديدة كثيرة من أهل البلاد المفتوحة التى مثَّلت الأغلبية خلال سنوات معدودة، وكانت هذه الغالبية منها من كان مخلصا لله سبحانه وتعالى في إسلامه.

ومنها من كان موتورا يريد الانتقام من الإسلام الذي هدم ديانته، وقضى على دولته، كما كان حال بعض اليهود والفرس، وكما ساد الميل إلى الدنيا في نفوس كثير من المسلمين، فركن بعضهم إلى الدنيا وزينتها، وما كانت تلك المستجدات لتمر على عبقري ملهم كعمر بن الخطاب رضى الله عنه، الذي تعب من معاناته مع هؤلاء الداخلين حديثا، ومع المتآمرين، ومع المائلين للدنيا، فقد مدَّ يديه إلى السماء، ودعا الله عز وجل قائلا “اللهم كبُرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيِّع ولا مفرط” وتغيرت الأحوال، وأسوأ من ذلك هو تغير النفوس، مما جعل أمير المؤمنين عثمان رضى الله عنه في مأزق، فقد حكم قوما غير من كان عمر رضى الله عنه يحكمهم في بداية خلافته، فقد كان عمر رضى الله عنه يحكم الصحابة، أما عثمان رضى الله عنه فكان أغلب رعيته ممن لم يروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتأدبوا بأدبه، ومنهم من غرَّته الدنيا، واستولت على قلبه، وغرق في بحار أموال الفتوحات، وكان لا بد من حدوث الفتنة، التى أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قد يعجبك ايضا
تعليقات