القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

في طريق الإسلام ومع جهم بن سعد ” الجزء الثانى “

169

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع الصحابى الجليل وكاتب الوحى جهم بن سعد وقد توقفنا عندما كثيرون من الناس بين عبد الله بن سعد بن أبى سرح، وشخصية ثانية ارتدت عن الإسلام أيضا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والأمر الذي أدى إلى هذا الخلط هو اشتراكهما في كتابة الوحي، ووقوع الردة منهما، إلا أن الحقيقة أنهما شخصيتان مختلفتان، فالصحابي الجليل عبد الله بن أبي سرح، قد ظهرت براءته من هذه التهمة، والثاني هو رجل نصراني لا يعرف اسمه ارتد وبقي على ردته وزعم أنه كان يغير في كتابة الوحي ومات ولفظته الأرض وكان آية للناس، وعقب انتقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، إلى جوار ربه، قد شارك عبد الله بن أبى السرح في الفتوح والجهاد في سبيل الله تعالى وعرف بالشجاعة والإقدام والصبر في المعارك، وولاه عثمان بن عفان في خلافته إمارة الصعيد بمصر، ثم ولي مصر كلها في سنة سبعة وعشرون من الهجرة وكان محمودا وظهرت براعته الإدارية في تنظيم الخراج، وذكر الواقدي عنه أنه كان عمرو بن العاص على مصر.

فى خلافة عثمان بن عفان فعزله عن الخراج وأقره على الصلاة والجند واستعمل عبد الله ابن أبي سرح على الخراج فتداعيا، فكتب ابن أبي سرح إلى عثمان بن عفان إن عمرو بن العاص، كسر الخراج عليَّ وكتب عمرو إن ابن سعد كسر عليَّ مكيدة الحرب فعزل الخليفة عثمان بن عفان والى مصر عمرو بن العاص، وأضاف الخراج إلى ابن أبي سرح، وفي مدة ولايته فتح فتوحا عظيمة في بلاد النوبة والسودان سنة واحد وثلاثين من الهجره النبوية، وعقد عهدا بينه وبين ملك النوبة بأن يؤمن التجار ويحافظ على المسجد الذي بناه المسلمون في دنقلة، وتوسعت فتوحاته حتى بلغت تونس في سنة ثلاثة وثلاثين من الهجرة، وتولى بناء وقيادة الأسطول الإسلامي الذي كان يتألف من مئتي سفينة، وتصدى للحملة البحرية الكبرى التي قادها قسطنطين الثاني في محاولة للاستيلاء على الإسكندرية واسترداد مصر من العرب، وانتصر على البيزنطيين وأغرق تسعمائة سفينة في معركة ذات الصواري، التي مثلت نهاية سيطرة الدولة البيزنطية على البحر الأبيض المتوسط.

وكان بعد استشهاد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقد اعتزل عبد الله بن سعد السياسة ونجا بنفسه من الفتنة، وخرج إلى عسقلان فظل فيها عابدا، وقال مصعب، هو الذي فتح إفريقية وانزوى إلى الرملة في فلسطين، وقال ابن يونس عنه أنه كان صاحب ميمنة عمرو بن العاص، وكان فارس بني عامر المعدود فيهم، وقد غزا إفريقية، ونزل عسقلان، فلم يبايع عليا ولا معاوية، وفي آخر أيامه كان يدعو الله تعالى أن يكون آخر عمله عند الصبح، وذكر سعيد بن أبي أيوب أنه يوم وفاته قال “إني لأجد برد الصبح، اللهم اجعل خاتمة عملي الصبح” فتوضأ، ثم صلى، فقرأ في الأولى بأم القرآن والعاديات، ثم ختم الصلاة وسلم عن يمينه، وذهب يسلم عن يساره فقبض الله روحه رضي الله عنه في سنة سبعه وثلاثين من الهجرة، وقيل في سنة تسعه وخمسين من الهجرة، وقيل إنه دفن بمدينة أوجلة في ليبيا، ولقد جُمع القرآن الكريم في عهد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي عهد خلفيتيه، أبو بكر وعمر، أما في عهد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

فقد كان حفظه متواترا في الصدور، ومكتوبا في السطور، وفي خلافة الصديق كانت آيات وسور القرآن الكريم المكتوبة مفرقة، فتم جمعها في مصحف واحد، وفي عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، تم كتابة القرآن الكريم ونسخه، ولقد زاد نزول القرآن الكريم، مفرقا من حرص النبي صلى الله عليه وسلم، من عدم تفلت شيء منه، فكان يردد كل ما يلقيه عليه جبريل عليه السلام، قبل انتهائه من تلقينه، فنزل قول الله سبحانه تعالى (إن علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فأتبع قرآنه) وبعد نزول هذه الآية الكريمة كان يصمت صلى الله عليه وسلم، إلى حين انتهاء الوحي من تلقينه، ثم يستدعي الكَتَبة من الصحابة الكرام ليكتبوا كل ما ينزل على النبى صلى الله عليه وسلم، من القرآن الكريم، وكان أمين الوحى جبريل عليه السلام ينزل على النبى صلى الله عليه وسلم، ليعرض عليه القرآن الكريم كل سنة في ليالي شهر رمضان، وقد عرضه عليه مرتين في آخر سنة من حياته صلى الله عليه وسلم، ولما توفى النبى صلى الله عليه وسلم، كان الكتاب العزيز مجموعا في قلوبهم.

ومحفوظا في ذاكرتهم، فقد حرص الصحابة على حفظ القرآن الكريم أولا بأول، وكان من أبرز من حفظ القرآن الكريم كاملا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا أئمةَ هدى في تعليم المسلمين، وإقرائهم إياه هم الخلفاء الراشدين، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، إضافة إلى عبدالله بن مسعود، وسالم بن معقل، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو زيد بن السكن، وأبو الدرداء، وسعيد بن عُبيد، كما كان القرآن الكريم محفوظا بالكتابة عند وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، إلا أنه لم يُجمع في مكان واحد، فلم تكن كتابته منسقة، فكانت السورة أو مجموعة السور تكتب على أحجار، ثم تربط معا بخيط، ويتم وضعها في بيت من بيوت أمهات المؤمنين رضى الله عنهن، أو توضع عند أحد كتاب الوحي، كزيد بن ثابت، وعلي بن أبي طالب، وأبيّ بن كعب، وكان بعض الصحابة يكتبون لأنفسهم بشكل خاص، وقد ورد سببان لعدم كتابته وجمعه في مكان واحد، وهما أن الصحابة الكرام رضي الله عنهم، كانوا يترقبون نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم.

في أى حين، وينشغلون بذلك ليحفظوا ما ينزل، وأن أدوات الكتابة، وما يلزم لها لم تكن متوفّرة بشكل كاف في ذلك الوقت، وقد اختار المولى سبحانه وتعالى النبى صلى الله عليه وسلم، بالرسالة الخاتمة وأنزل عليه القرآن الكريم، فأحسن النبي استقبال القرآن، حفظا واستيعابا وامتثالا وتبليغا، ومما يدل على ذلك قول الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فى كتابة الكريم (لا تحرك به لسانك لتعجل به، إن علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرآناه فاتبع قرآنه، ثم إن علينا بيانه) حيث تدل الآيات دلالة واضحة على حرص النبى صلى الله عليه وسلم، وخوفه من انفلات كلام الله تعالى من لسانه، فجاءت الآيات تطمئنه، ولذا فقد مكن الله تعالى نبيه من حفظ القرآن الكريم حفظا تاما ومتقنا، فكلما نزلت آية هيأ الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم، ليحفظها في صدره، ويعيها في قلبه فهما وتدبرا، فيقول الله عز وجل فى كتابة العزيز لنبية محمد صلى الله عليه وسلم (سنقرئك فلا تنسى) فالقرآن لن يُنسى من قلب النبي صلى الله عليه وسلم.

ولن تكون هناك أي مشقة عليه، فالله تعالى قد رفعها عنه، فنادى عليه الله عز وجل قائلا ( يا أيها المزمل، قم الليل إلا قليلا، نصفه أو انقص منه قليلا، أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا) وهو موقف جلل للنبى صلى الله عليه وسلم، في إظهار أهمية القرآن الكريم في حياته، فيحيي به ليله، ويتدبر معانيه، ويتلو آياته، ويداوم على ذلك حتى تتفطر قدماه الشريفتان صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك هو تلبية لأوامر ربه عز وجل، وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم، يستأنس بالقرآن الكريم، ويطبّق أوامر ربه، ويجتنب نواهيه، ويقيم المواعظ والعبر، فيعظ الناس كافة، كما حرص صلى الله عليه وسلم، على تعليمه صحابته رضوان الله عليهم وتبليغهم إياه، إذ إن الصحابة رضوان الله عليهم، لم يقصروا لحظة من أعمارهم في كتاب الله عز وجل، فجعلوه ميدانهم الأسمى في السباق إلى الله سبحانه وتعالى، فهم ينهلون من نبع معانيه، ويتسابقون في حفظه وتلاوته، ويتدارسون علومه وأحكامه، وكانوا يأخذونه من النبى صلى الله عليه وسلم مباشرة تلقيا، وسماعا.

قد يعجبك ايضا
تعليقات