القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نظرة تأمل مع غزوة نجد (الجزء الثانى)

173

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع غزوة نجد وقد توقفنا مع منطقة نجد هي أحد أقاليم شبه الجزيرة العربية التاريخية وأكبرها مساحة وترتفع هضبة نجد فوق سطح البحر، وتقع في وسط شبه الجزيرة، وكانت نجد موطنا تاريخيا لمملكة كندة وطسم وجديس وبني زيد وبني حنيفة وبني أسد وبني تميم وهوازن وغطفان ومملكة تنوخ وطيئ وبنو عامر ومحارب وباهلة وبنو غنى وحضارة المقر وغيرهم، حيث تشكل اليوم منطقة الرياض ومنطقة القصيم ومنطقة حائل والأجزاء الشرقية لمنطقة مكة المكرمة ومناطق نجد الشرقية مثل هضبة الصمان وهى ضمن المملكة العربية السعودية، وقد اختلف المؤرخون والنسابة ورجال الدين فيما كانت نجد هي اليمامة أو جزء منها أم إقليما بحد ذاتها، والحدود وتقسيمات شبه الجزيرة العربية إلى الحجاز واليمن والعروض وتهامة عند الجغرافيين كانت تقسيمات تعكس دوافع دينية وسياسية وهي حدود غير ثابتة ومتقلبة.

وقد خضعت لتغيرات عديدة نتيجة الاضطراب السياسي والتغييرات السكانية، وإن الكثير من الإخباريين خلط بين اليمامة ونجد والغالب أن اليمامة هي مدينة الرياض حاليا، ونجد في اللغة هو المكان المرتفع، وهناك عدة مناطق في شبه الجزيرة العربية تسمى بنجد ولكن أشهرها الواقع بوسط شبه الجزيرة العربية وأحيانا يسمى بنجد الحجاز لإنه ارتفع عن تهامتها وفق مازعم بعض الإخباريين وفي ذلك أسباب سياسية كان هدفها انكار وجود اليمامة كوحدة ثقافية أو اجتماعية وإدارية خلال العصور الإسلامية، وقيل أن نجد المشهورة هي الأرض المرتفعة الفاصلة بين اليمن وتهامة وبين العراق والشام، وتعتبر نجد منطقة معزولة نسبيا، فالكثبان الرملية تحيط بها من ثلاث جوانب ويفصل بينها وبين الحجاز سلسلة من الجبال، في السابق، وكان القادم من العراق أو البحرين يضطر للمرور عبر نجد ولكن من القرن الثالث عشر الميلادي.

وقد أصبح بإمكان الحجيج والقوافل الالتفاف حول نجد بسهولة ومحاذاة البحر الأحمر نحو مكة أو جدة وهو ماساهم في زيادة عزلة المنطقة أكثر، لذلك فإن سرد تاريخ نجد المظلم ليس بالأمر السهل حتى القرن الثامن عشر الميلادي، وفي القرن السادس عشر بسطت الدولة العثمانية سلطتها على الحجاز وكان وجودها في تلك البلاد امتدادا لسلطتها على مصر، وامتد نفوذها ليشمل الأجزاء الشرقية من شبه الجزيرة العربية وأسسوا لهم إيالة في الإحساء، وإن نجد لم تخضع لسلطة العثمانيين وظهرت إمارات حضرية صغيرة متعددة مكتفية ذاتيا تعتمد على الزراعة وأبقت القبائل النجدية على إستقلالها التام، وفي القرن السابع عشر الميلادي كانت القبائل المنتشرة في نجد قبائل بني لام وسبيع والسهول وعنزة وعائذ، وفي فترة ما من القرن السابع عشر الميلادي ارتحلت قبائل الدواسر من بادية اليمن في مأرب لعقيق بني عقيل وسمي الوادي باسمهم بعد ذلك وادي الدواسر.

وسرعان مالفتوا أنظار الإمارات المحلية الصغيرة لإن الدواسر كانوا يكثرون غزو القبائل البدوية قرب الإحساء ويعتدون على القوافل وتحالفوا مع قبيلة قحطان لاحقا ولم تنجح أي من القبائل أو الإمارات من الوصول لمناطقهم وأجبروا آل صباح وآل خليفة على ترك نجد والهجرة إلى سواحل الخليج العربي، ثم ارتحلت أعداد كبيرة من قبائل عتيبة وقبيلة قحطان وحرب ومطير وسبيع والدواسر وبني رشيد لأجزاء من نجد وأستقرت بها، وهكذا كان وضع نجد حتى القرن الثامن عشر، وهى إمارات حضرية صغيرة وقبائل بدوية كبيرة متحاربة لم يكن الدين أول اهتماماتها، بل كانوا يحالفون أي إمارة مهما كان مذهبها لإبقاء إستقلاليتهم، وأيضا يسمون غزوة نجد، بغزوة ذات الرقاع، وغزوة ذات الرقاع هي غزوة قام بها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في السنة الرابعة للهجرة ضد بني ثعلبة وبني محارب من غطفان بعد أن بلغه انهم يعدون العدة لغزو المدينة.

فخرج إليهم في أربعمائة من المسلمين، وقيل في سبعمائة، واستخلف على المدينة أبو ذر الغفاري، وإن عامة أهل المغازي يذكرون هذه الغزوة في السنة الرابعة من الهجرة، ولكن حضور أبي موسي الأشعري وأبي هريرة رضي الله عنهما في هذه الغزوة يدل على وقوعها بعد غزوة خيبر، والأغلب أنها وقعت في شهر ربيع الأول فى السنة السابعة من الهجرة، وقد دخل النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بجيشه من المدينة ، واتضحت منذ البداية الصعوبات التي تنتظرهم، فهناك نقص شديد في عدد الرواحل، حتى إن الستة والسبعة من الرجال كانوا يتوالون على ركوب البعير، ومما زاد الأمر سوءا، هو وعورة الأرض وكثرة أحجارها الحادة، التي أثرت على أقدامهم حتى تمزقت خفافهم، وسقطت أظفارهم، فقاموا بلف الخرق والجلود على الأرجل، ومن هنا جاءت تسمية هذه الغزوة بهذا الاسم، ففي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال.

” وكنا نلفّ على أرجلنا الخرق ، فسُمِيت غزوة ذات الرقاع ” و قال ابن هشام “وإنما قيل لها غزوة ذات الرقاع ، لأنهم رقعوا فيها راياتهم ويقال أن ذات الرقاع، هى شجرة بذلك الموضع يقال لها ذات الرقاع ” وقد سار النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، متوغلا في بلادهم حتى وصل إلى موضع يقال له نخل، ولقي جمعا من غطفان، إلا أنه صلى بالصحابة صلاة الخوف لأول مرة في الإسلام، فعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال”خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذات الرقاع من نخل، فلقي جمعا من غطفان، فلم يكن قتال، وأخاف الناس بعضهم بعضا، فصلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ركعتي الخوف” رواه البخاري، فلما علمت قبائل غطفان بقدوم المسلمين هربت، فلم يقع قتال، وعاد المسلمون منتصرين، وفي طريق العودة اشتد الحر عليهم، وجاء وقت القيلولة فنزلوا في واد كثير الأشجار، وتفرق المسلمون يستظلون فيه.

وقد نام الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، تحت شجرة وعلق سيفه بها، فإذا بأعرابي كافر يأتي فيأخذ السيف، فشعر به الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، واستيقظ من نومه، فقال الأعرابي”من يمنعك مني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الله” وإذا بالأعرابي يرتعد ويسقط السيف من يده، فأخذه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ثم عفا عن الأعرابي وتركه” وقد نزلت في هذه الحادثة قول الحق سبحانه وتعالى من سورة المائدة (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم، وأتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) وقد روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رجلا من محارب يقال له غورث بن الحارث قال لقومه من بني غطفان ومحارب، ألا أقتل لكم محمدا؟ قالوا نعم، وكيف تقتله؟ قال أَفتك به، فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو جالس وسيفه في حجره.

قد يعجبك ايضا
تعليقات