القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نظرة تأمل مع غزوة نجد (الجزء الثالث)

349

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع غزوة نجد وقد توقفنا مع غورث بن الحارث عندما قال لقومه من بني غطفان ومحارب، ألا أقتل لكم محمدا؟ قالوا نعم، وكيف تقتله؟ قال أَفتك به، فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو جالس وسيفه في حجره، فقال يا محمد، انظر إلى سيفك هذا، قال نعم، فأخذه، فاستله، ثم جعل يهزّه ويهم به فيكبته الله عز وجل، ثم قال يا محمد، ألا تخافني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا، قال ألا تخافني وفي يدي السيف؟ فقال يمنعني الله منك، ثم أغمد السيف وردّه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الاية، ولقد كان لهذه الغزوة أثر في قذف الرعب في قلوب الأعراب ، فلم تجترئ القبائل من غطفان أن ترفع رأسها بعدها، بل استكانت حتى استسلمت، وأسلمت، حتى شارك بعضها في فتح مكة وغزوة حنين، وساد الأمن والسلام ربوع المنطقة، وبدأ التمهيد لفتوح البلدان والممالك الكبيرة، لتبليغ الإسلام.

وأما عن وقوع الغزوة خلال هذه المدة فهو أمر تقتضيه ظروف المدينة، فإن موسم غزوة بدر التي كان قد تواعد بها أبو سفيان حين انصرافه من أحد قد اقترب وإخلاء المدينة مع ترك البدو والأعراب على تمردهم وغطرستهم والخروج لمثل هذا اللقاء الرهيب لم يكن من مصالح سياسة الحروب قطعا، بل كان لابد من خضد شوكتهم وكف شرهم، قبل الخروج لمثل هذه الحرب الكبيرة، التي كانوا يتوقعوها في رحاب بدر، ولقد صلى النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في هذه الغزوة صلاة الخوف، ولقد كانت أول شرعية صلاة الخوف في غزوة عسفان، ولا خلاف على أن غزوة عسفان كانت بعد الخندق، وكانت غزوة الخندق في أواخر السنة الخامسة، وغزوة الخندق وتسمى أيضا غزوة الأحزاب، وهي غزوة وقعت في شهر شوال من العام الخامس من الهجرة، بين المسلمين بقيادة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

والأحزاب الذين هم مجموعة من القبائل العربية المختلفة التي اجتمعت لغزو المدينة المنورة والقضاء على المسلمين والدولة الإسلامية، وكان سبب غزوة الخندق هو أن يهود بني النضير نقضوا عهدهم مع الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وحاولوا قتله، فوجَّه إليهم جيشه فحاصرهم حتى استسلموا، ثم أخرجهم من ديارهم، ونتيجة لذلك، همَّ يهود بني النضير بالانتقام من المسلمين، فبدأوا بتحريض القبائل العربية على غزو المدينة المنورة، فاستجاب لهم من العرب قبيلة قريش وحلفاؤها كنانة وهم الأحابيش، وقبيلة غطفان وهم فزارة وبنو مرة وأشجع، وحلفاؤها بنو أسد وسليم وغيرها، وقد سُموا بالأحزاب، ثم انضم إليهم يهود بني قريظة الذين كان بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق، وقد تصدَّى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والمسلمون للأحزاب، وذلك عن طريق حفر خندق شمال المدينة المنورة لمنع الأحزاب من دخولها.

ولما وصل الأحزاب حدود المدينة المنورة عجزوا عن دخولها، فضربوا حصارا عليها دام ثلاثة أسابيع، وأدى هذا الحصار إلى تعرض المسلمين للأذى والمشقة والجوع، وانتهت غزوة الخندق بانسحاب الأحزاب، وذلك بسبب تعرضهم للريح الباردة الشديدة، ويؤمن المسلمون أن انتصارهم في غزوة الخندق كان لأن الله تعالى زلزل أبدان الأحزاب وقلوبهم، وشتت جمعهم بالخلاف، وألقى الرعب في قلوبهم، وأنزل جنودا من عنده، وبعد انتهاء المعركة، أمر الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أصحابَه بالتوجه إلى بني قريظة، فحاصروهم حتى استسلموا، فقام الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بتحكيم من يرضون، وقد كان سعد بن معاذ هو الذي كان حليفا لهم قبل الإسلام، فحكم بقتل المقاتلة منهم وتفريق نسائهم وأبنائهم عبيدا بين المسلمين، فأمر الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بتنفيذ الحكم.

وهكذا فإن غزوة نجد هي غزوة من غزوات النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن قليل من الناس من يعرفها باسم غزوة نجد، فاسمها المشهور هو غزوة ذات الرقاع، وإنه بعد أن قضى المسلمون على اليهود في خيبر وبعد أن هزموا قريش في غزوة الخندق، أَمن المسلمون من أي خطر خارجي قد يهدد المدينة المنورة، إلا من بعض الأعراب الذين يعيشون في صحارى نجد، وهم مجموعة من الناس غليظي الطبع شديدي البأس، يعملون في النهب والسلب، فرغب النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أن يقوم بتأديبهم وإيقاف حركاتهم المعادية للناس والتى تمنع الأمن والأمان في المنطقة، فباتت فكرة غزوهم في بال النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقرر غزوهم بشكل فعلي عندما جاءته الأخبار بأن الأعراب في نجد يجهزون العدة ويجمعون الجموع لقتال المسلمين، وفى هذه الغزوة قد رغب النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

بتأمين المسلمون وتثبيت الإيمان في قلوبهم، فصلى بهم صلاة الخوف، ولما وصلت أخبار المسلمين إلى قبائل غطفان دب الخوف والرعب في قلوب المشركين وفروا جميعا، فلم يحدث أي قتال بين الطرفين، ورجع المسلمون من هذه الغزوة منتصرين بفضل الله دون قتال، وإن هذه الغزوة ألقت الرعب في قلوب الأعراب، فلم يفكروا بعدها بغزو المسلمين في المدينة ولم يجرؤ على جمع الجيوش ضدهم، وكانت غزوة نجد أو ذات الرقاع سببا من أبرز أسباب نشر الأمن والسلام في المناطق المحيطة بالمدينة المنورة، وكانت استكمالا لمعارك المسلمين التي أدت إلى حالة من الاستقرار والأمن في المنطقة مما سمح للمسلمين بنشر الإسلام وتبليغه للناس بهدوء وسلام دون عدو يترصد لهم أو غاز يجهز للإغارة عليهم، ولقد كان في السنة الثالثة من الهجرة حدث فيها ثلاثة عشر حدثا فكان في شهر المحرم وقعتْ غزوة نجد عند ماء يقال له ذو أمر.

ولقد مكث النبى صلى الله عليه وسلم شهرا بعد رجوعه من غزوة السويق، فأقام بالمدينة بقية ذي الحجة، ثم غزا نجدا يريد غطفان، حيث تجمعوا بناحية نجد، واستعمل النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فأقام بنجد شهر صفر كله أو قريبا من ذلك، ثم رجع إلي المدينة، ولم يلق كيدا، وفي ربيع الأول قد قُتل كعب بن الأشرف اليهودي بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان كعب بن الأشرف اليهودي من الحاقدين على الإسلام والمسلمين بالمدينة، وهو من قبيلة طيء، وأمه من بني النضير، وكان يكتم غيظه وحقده على المسلمين، حتى انتصر المسلمون على المشركين في موقعة بدر، وجاء الخير، فلم يستطع كتم ما بداخله من حقد وغيظ على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى الإسلام والمسلمين، حتى إنه قال حين بلغه الخبر أحق هذا؟ أترون محمدا قتل هؤلاء، فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس.

والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها، فلما تيقن عدو الله الخبر خرج حتى قدم مكة، فنزل على المطلب بن أبي وداعة بن ضُبيرة السهمي، وعنده عاتكة بنت أبي العيص بن أمية بن عبد شمس، فأنزلته وأكرمته وجعل يحرض على الرسول صلى الله عليه وسلم، وينشد الأشعار، ويبكي أصحاب القليب من قريش الذين أصيبوا ببدر، ثم رجع كعب بن الأشرف إلي المدينة فشبّب بنساء المسلمين حتى آذاهم، فقَال رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقتله، فقام محمد بن مسلمة، ومعه أبو نائلة، وهو أخو كعب من الرضاعه، وأبو عيسى بن جبر، والحارث بن أوس وعباد بن بشر، ومشى معه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد، ثم وجههم، فقال صلى الله عليه وسلم ” انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم” ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى بيته، وهو في ليلة مقمرة، وأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه.

فهتف به أبو نائلة وقيل أنه كان حديث عهد بعرس، فوثب في ملحفته، فأخذت امرأته بناصيتها، وقالت إنك امرؤ محارب، وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة، فقال إنه أبو نائلة لو وجدني نائما لما أيقظني، فقالت والله إني لأعرف في صوته الشر، فقال لو يُدعى الفتى لطعنة لأجاب، فنزل فتحدث معهم ساعة، وتحدثوا معه، ثم قالوا هل لك يا ابن الأشرف أن نتماش إلى شعب العجوز، فنتحدث به بقية ليلتنا هذه، قال لهم إن شئتم، فخرجوا يتماشون فمشوا ساعة، ثم إن أبا نائلة شام يده في فود رأسه، ثم شمّ يده فقال ما رأيت كالليلة طيبا أعطر قط، ثم مشى ساعة، ثم عاد لمثلها حتى اطمأن، ثم مشى ساعة، ثم عاد لمثلها، فأخذ بفود رأسه، ثم قال اضربوا عدو الله، فضربوه، فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئا، فقال محمد بن مسلمة، فذكرت مغولا في سيفي، حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئا، فأخذته، وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا وقد أوقدت عليه نار، فقال فوضعته في ثنته، ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته فوقع عدو الله.

قد يعجبك ايضا
تعليقات