القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نظرة تأمل مع غزوة بنى سليم (الجزء الثالث)

160

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث من غزوة بنى سليم، وقد توقفنا عندما قال صلى الله عليه وسلم “الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، الذي خلق الخلق بقدرته، وميزهم بحكمته، ثم إن الله عز وجل جعل المصاهرة نسبا وصهرا وكان ربك قديرا، ثم إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من عليّ بن أبى طالب على أربعمائة مثقال فضة، أرضيت يا علي؟ قال رضيت” وبعد ذلك فقد خطب الإمام علي ضى الله عنه فقال” الحمد لله شكرا لأنعمه وأياديه، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة تبلغه وترضيه، وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال “يا عليّ اخطب لنفسك” فقال الإمام على رضى الله عنه” الحمد لله الذي لا يموت، وهذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم زوّجني ابنته فاطمة على صداق مبلغه أربعمائة درهم فاسمعوا ما يقول واشهدوا” قالوا، ما تقول يا رسول الله؟ قال “أشهدكم أني قد زوّجته ”

وقال ابن كثير، وهذا خبر منكر، وقد ورد في هذا الفصل أحاديث كثيرة منكرة وموضوعة، وكان لما تمّ العقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بطبق بسر فوضع بين يديه ثم قال للحاضرين انتهبوا، وقول ألغمام علي رضى الله عنه، نبهاني لأمر كنت عنه غافلا لا ينافي ما روي عن السيده أسماء بنت عميس أنها قالت، قيل لعلي، ألا تتزوج بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ما لي صفراء ولا بيضاء ولست بمأبور ويعني غير الصحيح الدين، ولا المتهم في الإسلام، أي لا أخشى الفاحشة إذا لم أتزوج، وأما عن ليلة بنى بها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي ” لا تحدث شيئا حتى تلقاني” فجاءت بها أم أيمن حتى قعدت في جانب البيت وعليّ في جانب آخر، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لفاطمة ” ائتيني بماء ” فقامت تعثر في ثوبها، وفي لفظ في مرطها من الحياء، فأتته بقعب فيه ماء، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومج فيه.

ثم قال لها ” تقدمي ” فتقدمت، فنضح بين ثدييها وعلى رأسها وقال ” اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ” ثم قال ” ائتوني بماء ” فقال الإمام علي رضى الله عنه، فعلمت الذي يريد، فقمت وملأت القعب فأتيته به، فأخذه فمج فيه وصنع بي كما صنع بفاطمة ودعا لي بما دعا لها به، ثم قال ” اللهم بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في شملهما، أي الجماع، وتلا صلى الله عليه وسلم سورة الاخلاص ( قل هو الله أحد ) والمعوذتين، ثم قال أدخل بأهلك باسم الله والبركة، وكان فراشها إهاب كبش، أي جلده، وكان لهما قطيفة إذا جعلاها بالطول انكشفت ظهورهما وإذا جعلاها بالعرض انكشفت رؤوسهما، ثم مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام لا يدخل على السيده فاطمة، وفي اليوم الرابع دخل عليهما في غداة باردة وهما في تلك القطيفة، فقال لهما، كما أنتما وجلس عند رأسهما ثم أدخل قدميه وساقيه بينهما، فأخذ الإمام علي رضى الله عنه،

إحداهما فوضعها على صدره وبطنه ليدفئها وأخذت فاطمة رضي الله عنها الأخرى فوضعتها كذلك، وقالت له في بعض الأيام، يا رسول الله ما لنا فراش إلا جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه ناضحنا بالنهار، فقال لها صلى الله عليه وسلم “يا بنية اصبري، فإن موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام أقام مع امرأته عشر سنين ليس لهم فراش إلا عباءة قطوانية” أي وهي نسبة إلى قطوان، وهو موضع بالكوفة، أي ولعل العباءة التي كانت تجلب من ذلك الموضع كانت صفيقة، وعن الإمام علي رضي الله تعالى عنه، لم يكن لي خادم غيرها، وعنه رضي الله تعالى عنه “لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأني لأربط الحجر على بطني من الجوع، وإن صدقتي اليوم لتبلغ أربعين ألف دينار” ولعل المراد في السنة، وقال الإمام أحمد بن حنبل، ما ورد لأحد من الصحابة ما ورد لعلي رضي الله تعالى عنه أي من ثنائه صلى الله عليه وسلم عليه.

وكان سبب ذلك أنه كثرت أعداؤه والطاعنون عليه من الخوارج وغيرهم، فاضطر لذلك الصحابة أن يظهر كل منهم من فضله ما حفظه ردا على الخوارج وغيرهم، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال، ما نزل في أحد من الصحابة من كتاب الله ما نزل في عليّ، فقيل أنه نزل في عليّ ثلاثمائة آية، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال، كل ما تكلمت به في التفسير فإنما أخذته عن الإمام علي رضى الله عنه، وكان من كلماته البديعة الوجيزة، أنه قال “لا يخافن أحد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه، ولا يستحي من لا يعلم أن يتعلم، ولا من يعلم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول الله أعلم” وما أبردها على الكبد إذا سئلت عما لا أعلم أن أقول الله أعلم، ومن ذلك العالم من عمل بما علم ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، تخالف سريرتهم علانيتهم، ويخالف علمهم عملهم، يجلسون حلقا فيباهي بعضهم بعضا،

حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم من مجالسهم تلك إلى الله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي ” يهلك فيك رجلان، محب مطر، وكذاب مفتر مكره لك يأتي بالكذب المفترى” وقال له صلى الله عليه وسلم “يا علي ستفترق أمتي فيك كما افترقت في عيسى ابن مريم” وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال ” إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما هي بضعة مني، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها” وأما عن غزوة بني سليم فكان بعد الانتصار الهائل الذي أحرزه المسلمون على قريشٍ في غزوة بدر وهى صاحبة المكانة الدينية والعسكرية والاجتماعية في شبه الجزيرة العربية فقد تنامى حقدها على المسلمين بعد أن اهتزت مكانتها في عيون القبائل العربية،

فعمدت إلى تحريضها على غزو المدينة والقضاء على الإسلام، وقد تقاطَع هذا المطلب مع رغبة تلك القبائل في التخلص من الإسلام وقوته المتنامية في المدينة والتي ستعيق أعمالهم في السلب والنهب كما كان منتشرا قبل الإسلام، ومن تلك القبائل الحريصة على ذلك قبيلة بني سُليم القاطنة في الطريق بين مكة والمدينة وبمعاونة من قبيلة غطفان، وكان بعد عودة المسلمين إلى المدينة المنورة نقلت العيون للنبي صلى الله عليه وسلم، أن بني سليم وغطفان حلفاء قريش يعُدّون العدة لغزو المدينة المنورة ومباغتة المسلمين فيها انتقاما لكرامتهم التي هُدرت في بدر ولأسيادهم الذين قتلوا ودُفنوا في قليب واحد، وأنهم قد تجمعوا في موضع يقال له قرقرة الكدر وهو بئر ماء لبني سليم، وكان أهداف غزوة بني سليم كانت حنكة الرسول صلى الله عليه وسلم، في غزواته وحروبه تقتضي منع المعتدين من الوصول إلى المدينة المنورة

ومباغتتهم في أماكن تجمعهم وهذا ما حصل في هذه الغزوة بعد أن علم من عيونه المنتشرة بين مكة والمدينة أن قبيلة بني سليم وغطفان جمعوا رجالهم في الكدر لغزو المدينة، إلى جانب ذلك لتعزيز الرهبة في قلوب المشركين من المسلمين بعد نصر غزوة بدر كي لا يعتقدوا هؤلاء أنه مجرد نصر عابر، فجمع الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، جيشا قوامه مائتا مقاتل من الصحابة وسار بهم صلى الله عليه وسلم، نحو ديار بني سليم وغطفان، وقد استعمل على المدينة المنورة سباع بن عرفطة وقيل عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنهما، وقيل كلاهما فسباع رضي الله عنه، للقضاء والحكم بين الناس وابن أم مكتوم رضي الله عنه للصلاة في الناس كونه ضريرا فلا يصح أن يقضي في الخصومة بين الناس، وسار النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، نحو قرقرة الكدر بعد أن عقد اللواء لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه،

لكنه عندما وصل إلى موضع تجمع بني سليم وغطفان لم يجد أحدا، وعندما سمعوا بخروج النبي صلى الله عليه وسلم، لقتالهم فرّوا إلى رؤوس الجبال، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم، عددا من أصحابه لتمشيط المنطقة والتأكد من خلوّها من الأعداء المتربصين بالمسلمين فلم يجدوا أحدا، وقد انتهت غزوة بني سليم دون وقوع قتال بين المسلمين من ناحية وتحالف قبيلتي سُليم وغطفان من ناحية أخرى بسبب حالة الهلع والرعب التي انتابتهم بعد علمهم بخروج الرسول صلى الله عليه وسلم، بجيشه لقتالهم في عقر دارهم حيث فروا إلى رؤوس الجبال مخلفين وراءهم في بطن الوادي مكان تجمعهم، خمسمائة بعير فساقها الصحابة، رضوان الله عليهم، الذين أرسلهم في أثر محاربي بني سُليم وغطفان للنبي صلى الله عليه وسلم، فقسمها بين أصحابه، فكان نصيب كل رجل بعيرين بعد إخراج خمسه أي خمس الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم،

في غنيمة الحرب، وكان من ضمن نصيب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، صبي يُدعى يسار، فأعتقه صلى الله عليه وسلم، بعد أن رآه يصلي، وقد أسلم وحَسن إسلامه وتعلم الصلاة في أسره، وقد عاد الرسول صلى الله عليه وسلم، بجيشه دون قتال إلى المدينة المنورة بعد أن قضى في موضع الكدر ثلاثة أيام وكان ذلك ربما يعود أحدا من مقاتلي قبيلتى سليم وغطفان للقتال لكن لم يظهر أحد، وقد أطلق على هذه الواقعة اسم غزوة على الرغم من عدم وقوع قتال بين الطرفين، نظرا لأن مفهوم الغزوة في الإسلام هي كل خروج للنبي صلى الله عليه وسلم، بجيش مهما كان عدده لغاية القتال وتأديب أعداء الإسلام الماكرين به وبأهله سواء انتهى الأمر بقتال أم دون قتال، وفي هذه السنة توفي الصحابي الجليل عثمان بن مظعون رضي الله عنه، ومات واحد من رؤوس الكفر ألا وهو أميّة بن عبد الله بن ربيعة وهو المعروف بإسم أمية بن أبي الصلت.

قد يعجبك ايضا
تعليقات