القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

قبل الحادث بعشر دقائق

217

بقلم: شروق صالح

أسبح وسط سائل لزج، يصيبني بالقشعريرة، أحاول رفع يدي لأتحسسه، لكن دون جدوى، أصوات الصرخات تعج أذني، تكاد تنفجر من ضحيجها.
أحاول النهوض؛ فأجد نفسي كشجرة عتيقة ذات جذوع راسخة، لآلاف السنين في باطن الأرض.
لم أتخيل ولو لوهلة، أن نهايتي قد حانت، وبسرعة البرق هكذا دون الاستعداد التام لها.
كلمات رنت في أذني تردد:
“وقع الحادث منذ عشر دقائق، أسرعوا..إننا نفقد الفتاة.”
كل ما أتذكره، أنني كنت واقفة على قارعة الطريق، أنتظر سيارة أجرة؛ للذهاب إلى عيد ميلاد صديقتي المقربة، كنت أحادثها عبر الهاتف، وفور انهاء المكالمة، شاهدت أكبر أعدائي ومخاوفي، متجسدة أمامي، والتي لم أستطع هزيمتها يوما مهما حاولت، على الرغم من أنني لست من أولئك الضعفاء، الذين يتقبلون الهزيمة بسهولة، لكنني اضطررت لتقبل هذا الأمر منذ زمن، تصالحت مع فكرة أن لكل إنسان فوبيا ومخاوف خاصة به.
شاهدتها في بادئ الأمر، تقترب مني ، تركض هاربة من ذلك الكائن الذي ينبح خلفها، قلت في نفسي:
يا لمصيبتي..لقد اجتمع ثنائي الرعب بالنسبة لي، فلم أشعر بقدمي إلا وأنا ألقي بجسدي الضعيف وسط السيارات، أسمع أصوات أبواقهم، لا أعرف إلى أين أذهب، أخذ نفسي يضيق، تسارعت دقات قلبي، غرقت يداي في عرق غزير، حتى أن لعابي جف داخل فمي، فشعرت برغبة ملحة في شربة ماء، لكن هيهات أن أستطع ذلك.
كنت أدور حول نفسي وسط الطريق، فقد أصيب تفكيري بشلل مؤقت، شعرت أنني داخل إحدى مشاهد السينما، وأن أصوات صراخ الناس محذرة إياي، ماهي إلا مؤثرات صوتية للمشهد، تملأ أرجاء المكان من حولي، فجأة..اختفى كل هذا، تحول المكان من حولي لظلام دامس، شعرت بجسدي يحلق عاليا في الهواء، ليرتطم أرضا، ثم شعرت بالسائل اللزج أسفل جسدي، حاولت فتح عيني؛ لكني رأيت ضبابا يغشاها، مما حال دون الرؤية.
فجأة..بدأت الأصوات تختفي، سمعت صوتا واحدا يقول:
– يبدو أنها قد فارقت الحياة.
رغبت بالصراخ، وددت اخبارهم أنني مازلت على قيد الحياة، لكن انعقد لساني، تيبس جسدي، تجمدت الدماء في عروقي، ندمت أشد الندم بأنني لم أفعل كل ما رغبت، لم أخبر من أحبهم بمعزتهم عندي؛ ظنا مني أنني لن أفارقهم، فأنا مازلت في ريعان شبابي، والكارثة الأكبر.. أنني لم أقدم لآخرتي مايحميني من أهوالها.
فتلك للأسف هي كارثة سن الشباب.

قد يعجبك ايضا
تعليقات