القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نبذه عن غزوة خيبر (الجزء الثالث)

356

إعداد / محمـــد الدكــــرورى

ونكمل الجزء الثالث من غزوة خيبر وقد توقفنا مع عامر بن الأكوع وكان عامر رجلا شاعرا، فنزل يحدو بالقوم، يقول اللهم لولا أنت ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا، فاغفر فداء لك ما اتقينا، وثبت الأقدام إن لاقينا، وألقين سكينة علينا، إنا إذا صيح بنا أبينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم”من هذا السائق؟” قالوا عامر بن الأكوع، قال “يرحمه الله” فقال رجل من القوم، وجبت يا نبي الله، لولا أمتعتنا به” رواه مسلم، وفي رواية للبخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم”من هذا؟” قال، أنا عامر، قال “غفر لك ربك” فقال سلمة، وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان يخصه إلا استشهد، وقال فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له، يا نبي الله، لولا متعتنا بعامر، وقال النووي، معنى وجبت، أي ثبتت له الشهادة وسيقع قريبا، وكان هذا معلوما عندهم أن من دعا له النبي الكريم صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء في هذا الموطن استشهد.

فقالوا، هلا أمتعتنا به، أي وددنا أنك لو أخرت الدعاء له بهذا إلى وقت آخر، لنتمتع بمصاحبته ورؤيته، وقال سلمة بن الأكوع لما كان يوم خيبر قاتل أخي عامر، قتالا شديدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارتد عليه سيفه فقتله، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وشكوا فيه رجل مات في سلاحه، وشكوا في بعضِ أمره، فقال سلمة فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، فقلت يا رسول الله ائذن لي أن أرجز لك، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر بن الخطاب، اعلم ما تقول، قال، فقلت والله لولا الله ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” صدقت” وأنزلن سكينة علينا، وثبت الأقدام إن لاقينا، والمشركون قد بغوا علينا، قال فلما قضيت رجزي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” من قال هذا؟ قلت، قال أخي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يرحمه الله”

فقلت يا رسول الله إن ناسا ليهابون الصلاة عليه، يقولون رجل مات بسلاحه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” مات جاهدا مجاهدا” رواه مسلم، وفي رواية أخرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “كذبوا، مات جاهدا مجاهدا، فله أجره مرتين، وأشار بإصبعيه” وقد بدأت وقائع غزوة خيبر بعد مرور عشرين يوما على انتهاء صلح الحديبية، وتعتبر هذه الغزوة بمثابة بداية خطة طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم في توحيد جزيرة العرب في ظلال الدولة الإسلامية، وجعلها قاعدة لانطلاق الدعوة الإسلامية ونشرها في كافة أنحاء العالم، ووقعت معركة خيبر في مدينة خيبر، وهي من المدن ذات الحصون والقلاع، وتجري الأنهار من تحتها، وعرفت خيبر بثرائها نظرا لتعامل اليهود بالربا مع الدول المحيطة بها، وكان من أكثر مظاهر تعرضهم للإسلام هي إثارة بني قريظة وحثهم على خيانة المسلمين وغدرهم.

وألحقوا بالمسلمين ظروفا صعبة بسبب ما أعدّوه لهم من مكائد، وقد وقعت غزوة خيبر سعيا من المسلمين لإيقاف أذى يهود خيبر المتمثل بإثارة الفتن وتشجيع بني قريظة على خيانة العهد مع المسلمين، فتوّجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مدينة خيبر ليوقف يهود خيبر وقبائل نجد عند حدهم، حتى تعيش المنطقة بهدوء وأمن وسلام تام، وحتى يضمن للمسلمين العيش بسلام والتخلص من الصراعات الدامية والتفرغ لنشر الدين الإسلامي ودعوة القبائل إليه، وبالرغم مما حققه المسلمون من انتصار في غزوة خيبر إلا أن بعض المصاعب في بداية الأمر قد واجهتهم وتمثلت بحصون اليهود التي كانوا يقيمون بها، فتطلب ذلك من المسلمين بذل جهود مضاعفة وتأمين الجيوش بالمؤن الكافية لهم طيلة أيام الغزوة، وكما أن هذه الغزوة الأولى بين المسلمين وأهل القلاع والحصون، وقد سقط ستة عشر شهيدا من جيوش المسلمين في ساحة المعركة.

وبلغ عدد قتلى يهود خيبر أكثر من ثلاثة وتسعين قتيلا، وكان النصر حليف المسلمين، وبعد أن سمع يهود تيماء بنبأ انتصار المسلمين واستسلام يهود خيبر بادروا بطلب الصلح من الرسول صلى الله عليه وسلم ووافق على ذلك ومنحهم كتابا ينص على “هذا كتاب محمد رسول الله لبني عاديا، أن لهم الذمة، وعليهم الجزية، ولا عداء ولا جلاء، الليل مد والنهار شد” وهكذا كان خروج المسلمين إلى خيبر وقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بروح إيمانية عالية، مخلصين لله موقنين بالنصر، مستبشرين بالغنيمة التي وعدهم الله إياها وهم في طريق عودتهم من الحديبية، في قوله سبحانه وتعالى (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدى الناس عنكم) ولم يسمح النبي صلى الله عليه وسلم للمنافقين وضعفاء الإيمان الذين تخلفوا في الحديبية بالخروج معه، فلم يخرج معه إلا أصحاب الشجرة.

تصديقا لقوله سبحانه وتعالى (سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم، يريدون أن يبدلوا كلام الله، قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل، فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا ) وقد قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية، يعني مغانم خيبر لأن الله عز وجل وعد أهل الحديبية فتح خيبر وأنها لهم خاصة، من غاب منهم ومن حضر، وثارت الحمية في قلوب المسلمين لقتال عدوهم، ولم يفت في عضد المسلمين كثرتهم وقوتهم، ولم يثن من عزمهم منعة حصونهم، بل تحركوا إلى خيبر تملؤهم الثقة بالله، والاطمئنان إلى وعده بالنصر‎، وتدفعهم عقيدتهم الصافية وإخلاصهم لإعلاء كلمة الله تعالى، فانطلقوا مهللين مكبرين رافعين أصواتهم بذلك، حتى أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفقوا بأنفسهم، وقال لهم “إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم” وقد نزل الجيش بقيادة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

بواد يُقال له الرجيع، وكان بين اليهود وبين غطفان، وذلك ليحولوا بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر، وقد سمعوا بخروج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لخيبر، فجمعوا جموعهم، وخرجوا ليظاهروا اليهود، فلما ساروا مسافة، سمعوا خلفهم في أموالهم وأهليهم حسا، فظنوا أن المسلمين قد خالفوا إليهم، فرجعوا على أعقابهم، وأقاموا في أهليهم وأموالهم، وخلوا بين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وبين خيبر، وكفى الله المؤمنين مؤونة قتالهم، ولما أشرف الجيش الإسلامي على خيبر، وقف النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ويستنصره، فقال “اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الرياح وما ذرين، ورب الشياطين وما أضللن، نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها” وقدم المسلمون خيبر، وروحهم المعنوية كأفضل ما يكون، سموا وبذلا وتضحية في سبيل الله وكان قدومهم ليلا.

قد يعجبك ايضا
تعليقات