القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

غزوة خيبر (الجزء الثامن)

181

إعداد / محمـــد الدكــــرورى

ونكمل الجزء الثامن من غزوة خيبر وقد توقفنا عندما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله، أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة وبني النضير، لا تصلح إلا لك، قال “ادعوه بها” فجاء بها، فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال “خذ جارية من السبي غيرها ” وعرض عليها النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلمت، فأعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها” حتى إذا كان بسد الصهباء راجعا إلى المدينة حلت، فجهزتها له أم سليم، فأهدتها له من الليل، فأصبح عروسا بها، وأولم عليها بحيس من التمر والسمن والسَّويق، وأقام عليها ثلاثة أيام في الطريق يبني بها، ورأى بوجهها خضرة، فقال “ما هذا؟” قالت يا رسول الله، رأيت قبل قدومك علينا كأن القمر زال من مكانه، وسقط في حجري، ولا والله ما أذكر من شأنك شيئا، فقصصتها على زوجي، فلطم وجهي، فقال تمنين هذا الملك الذي بالمدينة.

ولم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم، من خيبر حتى طهرت صفية من حيضها، فحملها وراءه فلما صار إلى منزل على ستة أميال من خيبر مال يريد أن يعرس بها، فأبت عليه، فوجد في نفسه، فلما كان بالصهباء نزل بها هناك فمشطتها أم سليم، وعطرتها، وزفتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبنى بها، فسألها ” ما حملك على الامتناع من النزول أولا ” فقالت خشيت عليك من قرب اليهود، فعظمت في نفسه، ومكث محمد بالصهباء ثلاثة أيام، وأولم عليها ودعا المسلمين، وما كان فيها من لحم وإنما التمر والأقط والسمن، فقال المسلمون إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه، فلما ارتحل وطأ له خلفه ومد عليها الحجاب، فأيقنوا أنها إحدى أمهات المؤمنين، وكان جملة من استشهد من المسلمين في معارك خيبر ستة عشر رجلا، وهم أربعة من قريش وواحد من أشجع، وواحد من أسلم، وواحد من أهل خيبر والباقون من الأنصار.

ويقال إن شهداء المسلمين في هذه المعارك واحد وثمانين رجلا، وقيل واحد وتسعين رجلا، ولما فرغ النبى صلى الله عليه وسلم من خيبر، قد انصرف إلى وادي القري، وكان بها جماعة من اليهود، وانضاف إليهم جماعة من العرب، فلما نزلوا استقبلتهم اليهود بالرمي، وهم على تعبئة، فقتل غلام يسمى مدعم ،وهو غلام للنبى صلى الله عليه وسلم، فقال الناس هنيئا له الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “كلا، والذي نفسي بيده، إن الشَّملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه نارا” فلما سمع بذلك الناس جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشراك أو شراكين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “شراك من نار أو شراكان من نار” ثم عبَّأ النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه للقتال، وصفهم، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حنيف، وراية إلى عباد بن بشر، ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا.

وبرز رجل منهم، فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله، ثم برز آخر فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله، حتى قتل منهم أحد عشر رجلا، كلما قتل منهم رجل دعا من بقي إلى الإسلام، وكانت الصلاة تحضر هذا اليوم، فيصلي بأصحابه، ثم يعود، فيدعوهم إلى الإسلام وإلى الله ورسوله، فقاتلهم حتى أمسوا، وغدا عليهم فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا ما بأيديهم، وفتحها عنوة، وغنمة الله أموالهم، وأصابوا أثاثا ومتاعا كثيرا، وأقام النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، بوادي القري أربعة أيام، وقسم على أصحابه ما أصاب بها، وترك الأرض والنخل بأيدي اليهود، وعاملهم عليها كما عامل أهل خيبر، ولقد كان لما بلغ يهود تيماء خبر استسلام أهل خيبر ثم فدك ووادي القري، لم يبدوا أي مقاومة ضد المسلمين، بل بعثوا من تلقاء أنفسهم يعرضون الصلح، فقبل ذلك منهم النبى الكريم صلى الله عليه وسلم.

وأقاموا بأموالهم، وكتب لهم بذلك كتابا وقال فيه “هذا كتاب محمد رسول الله لبني عاديا، أن لهم الذمة، وعليهم الجزية، ولا عداء ولا جلاء، الليل مد، والنهار شد” ثم أخذ النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، في العودة إلى المدينة، سار النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، ليلة، ثم نام في آخر الليل ببعض الطريق، وقال لبلال “اكلأ لنا الليل” فغلبت بلال عيناه، وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ أحد، حتى ضربتهم الشمس، وأول من استيقظ بعد ذلك هو النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، ثم خرج من ذلك الوادي، وتقدم، ثم صلي الفجر بالناس، وقيل أنه جاء رجل من الأعراب إلى النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، فآمن به، واتبعه، فقال أهاجر معك؟ فأوصى به بعض أصحابه، فلما كانت غزوة خيبر، غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فقسمه، وقسم للأعرابي فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه.

فقال ما هذا؟ قالوا قسم قسمه لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذه فجاء به الى النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، فقال ما هذا يا رسول الله؟ قال ” قسم قسمته لك ” قال ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتك على أن أرمي هاهنا، وأشار إلى حلقه، بسهم، فأموت فأدخل الجنة، فقال إن تصدق الله يصدقك، ثم نهض إلى قتال العدو، فأتي به إلى النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، وهو مقتول، فقال ” أهو هو؟ ” قالوا نعم، قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم “صدق الله فصدقه” فكفنه النبي صلى الله عليه وسلم، في جبته، ثم قدمه، فصلى عليه، وكان من دعائه له ” اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك، قُتل شهيدا، وأنا عليه شهيد” وقيل أنه جاء عبد أسود حبشي من أهل خيبر، كان في غنم لسيده، فلما رأى أهل خيبر قد أخذوا السلاح، سألهم ما تريدون؟ قالوا نقاتل هذا الذي يزعم أنه نبي، فوقع في نفسه ذكر النبي، فأقبل بغنمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال ماذا تقول؟ وما تدعو إليه؟ قال صلى الله عليه وسلم “أدعو إلى الإسلام، وأن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وألا تعبد إلا الله” قال العبد فما لي إن شهدت وآمنت بالله عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم ” لك الجنة إن مت على ذلك ” فأسلم ثم قال يا نبي الله، إن هذه الغنم عندي أمانة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أخرجها من عندك وارمها بالحصباء، فإن الله سيؤدي عنك أمانتك” ففعل فرجعت الغنم إلى سيدها، فعلم اليهودي أن غلامه قد أسلم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فوعظهم وحضهم على الجهاد، فلما التقى المسلمون واليهود قتل فيمن قتل العبد الأسود واحتمله المسلمون إلى معسكرهم فأدخل في الفسطاط فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع في الفسطاط، ثم أقبل على أصحابه، وقال ” لقد أكرم الله هذا العبد، وساقه إلى خيبر، ولقد رأيت عند رأسه اثنتين من الحور العين، ولم يصل لله سجدة قط”

وقد روت أمية بنت أبي الصلت عن امرأة من بني غفار قالت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، في نسوة من بني غفار فقلن يا رسول الله قد أردنا أن نخرج معك إلى وجهك هذا وهو السير إلى خيبر، فنداوي الجرحى ونعين المسلمين بما استطعنا، فقال على بركة الله، قالت فخرجنا معه، قالت فوالله لنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى الصبح ونزلت عن حقيبة رحله، قالت وإذا بها دم مني وكانت أول حيضة حضتها، قالت فتقبضت إلى الناقة واستحييت، فلما رأى النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ما بي ورأى الدم قال ” ما لك؟ لعلك نفست؟” قالت قلت نعم؟ قال ” فأصلحي من نفسك ثم خذي إناء من ماء فاطرحي فيه ملحا ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم، ثم عودي لمركبك” قالت فلما فتح الله خيبر رضخ لنا من الفيء، وأخذ هذه القلادة التي ترين في عنقي فأعطانيها وعلقها بيده في عنقي، فوالله لا تفارقني أبدا، وكانت في عنقها حتى ماتت، ثم أوصت أن تدفن معها، قالت وكانت لا تطهر من حيضها، إلا جعلت في طهرها ملحا، وأوصت به أن يجعل في غسلها حين ماتت.

قد يعجبك ايضا
تعليقات